وقفة مع شاعر خلدته قصائده
أشرقت المكتبات الوطنية مؤخرا بكتاب جديد فاخر أنيق - شكلا ومضمونا - للباحث والشاعرالأستاذ محمد ولد عبد الباقى ولد سيد الفال، بعنوان "إرساء المعالم لشرح ديوان ابن السالم"..يقع الكتاب الصادر عن مركز "نجيبويه" للمخطوطات وخدمة التراث فى حوالى 260صفحة من الحجم المتوسط، تتضمن مقدمة وعرضا للديوان، ثم شرحا لقصائده " يبلغ عددها مع المقطوعات111قطعة شعرية" وملحقا وثائقيا يدعم به الباحث بعض المعلومات التى قدمها عن الديوان وصاحبه.
شاعر يسبقه شعره
لم يكن عزوف الباحث عن كتابة الاسم الكامل للشاعر محمذن ولد السالم الحسني"1216-1312هج" فى عنوان الديوان وشرحه اعتباطا ولا ركونا الى الاختصار،وإنما هواستشعار واضح لمايعنيه اسم ابن السالم لدى القارئ حيث سيحيله مباشرة - وبدون عناء- الى الشاعر الفحل محمذن ولد السالم بما يرمز اليه الاسم من عظمة شعرية، وذكر تاريخي سائر لشاعر سبقته قصائده التى سار بها الركبان فى كل مكان الى التعريف به، وحفر اسمه فى الذاكرة الجمعية الثقافية الشعرية فى موريتانيا كلها.
ابن السالم - اذن ومن بداية هذالعمل البحثي الرائع- يقفز اليك قبل السطور وفيها وبينها شعرا قويا، ولغة لايعلى عليها، وقيما اجتماعية رفيعة بكل المقاييس ..ان شعر ولد السالم لايعطيك فرصة لتسأل عن صاحبه، فكل حرف فيه بطاقة تعريف ناطقة بخصال الشاعر وطيب أرومته ومحتده، بل حتى ان شعره ياخذك بعيدا الى الجذور الأولى، لاليقنعك بصدق انتمائه، ولكن ليدخلك بين غصنه الطري، وشجرته التى أصلها ثابت فى منابت الخير ومنابعه، وفرعها يناطح سماوات المجد والسؤدد:
"مصداق أنى كريم العيص منتسب
الى قريش بيوت الرأي والجدل
نظمى القريض وإحكامي قوافيه
ولا أميز بين العطف والبدل"
لاتجد صعوبة- وأنت تلتهم شعر ولد السالم- فى التاكد من أنه فعلا ينظم القريض كما ينبغى للقريض أن ينظم، ويحكم قوافيه غاية الإحكام...وإن يفخر بشاعريته ولغته وقومه وبيئته فقد "افتخرأخ له من قبل" وهومحمدفال بن عينينا الحسني بنفس الشاعرية واللغة والقوم:
"انظر إلى مالنا من كل قافية
لها تذم شذور الزبرج القشب
فالطفل نفطمه قس ابن ساعدة
منقحا دررا أصدافها ذهب"
وذهب الشاعر الفذ أحمدبن عبدالله "الذيب" أبعد منهما مفتخرا معهما بانتمائه:
"لنا العربية الفصحى وإنا
أعم العالمين بها انتفاعا
فمرضعنا الصغير بها يناغى
ومرضعه تكورها قناعا
فنأخذها من الكتب اعتمادا
بمافيها ونأخذها ارتضاعا"
لاغرو إذن - وأنت تتابع قصائد شاعر بكل هذا الزخم ضجت به وبشعراء قومه ساحات القصيد وميادين الأدب الجم- أن تجد نفسك هناك فى مضارب طيئ أوعذرة، أوتميم، أوتغلب، حيث صخب الخيول الفخورة، وحنين الابل التى شامت مرابضها، وحيث الحياء يجلل ليالى المضارب، والفتوة تجوس خلالها تحت شمس عربية توزع مع النور والدفء كبرياء وشهامة ونخوة وشجاعة وايثارا وقيما أصيلة لاتغيب، استمع اليه بخشوع وهويقول:
"ياباحثا عن طباعي كى ليعرفها
فعلى يعبرعمارمت تعبيرا
إنى امرؤ لم تكن يازيدراحته
ولم يكن ماله يوما دنانيرا"
ألا تقفزاليك من هذه المقطوعة طباع العرب ونبل العرب و قيم العرب؟..لكأنك تسترق السمع إلى خباء ضم أبا الطيب والسليك ابن سلكة وعروة ابن الورد وأبا فراس الحمدانى..خباء نسجته قيم مشتركة للشعر والفتوة العربية، ولم تفرق بين المنشدين فيه مسافات الجغرافيا او التاريخ، فالامة هي هي، والشعر لم يزل ديوانها، والقيم هي نفسها، وان تباعدت كل المسافات..إليك ايضا هذه القطعة الناطقة وفاء وصدق عاطفة:
"تضاحك الركب لما أن رأوا طربى
لما أضاء روابى سهلة الجلم
واعتن لى نقوا لمغاس واعترضت
لمحيدتان ومن تاتيلة العلم
يومى إلى بعضهم بالطرف بعضهم
أن قد صبا ويحكم ذا القاحل الهرم
لم أصب ويحكم لكن ذا وطن
لم ينسنيه تراخى العهد والقدم
دارل"يعمر" إذفيها ينازعنى
شرخ الشباب شباب منهم كرم"
إنه هنا لايقل وفاء لأرضه التى عاش فيها، وأهله الذين عاش معهم عن بقية شعراء العرب، بل إنك تكاد هنا تشرق بالدمع معه بكاء على مرابع أذاب فيها حياة طاهرة من العطاء والفقر والتعفف والعذرية..وما أخالك إلا رأيت أوسمعت - عبر هذه الأبيات الخالدة- "غيلان مية" يبكى بحرقة، معفرا ناقته برمال وأثافي هي كل ما بقي فى مرابع الأهل من ذكر وذكرى لحبيب كانت به هذه المرابع حبلى ذات زمن ناضر مطير منعم بالحياة، قبل أن يصبح مجرد ذكرى تتقاذفها الروابى وتذروها الرياح.
مقطوعة تقطر وفاء وتعلقا بالأرض..إنها صورة بديعة كتلك التى يلتقطها المصورون المحترفون، فولد السالم هنا يكثف الصورة الشعرية وهي هنا صورة "دقيقة" يتم التقاطها و"تحميضها" قبل أن يرتد للإنسان طرفه..هو ورفاقه وضحكهم وإضاءة المطرببروقه الكاشفة رؤوس الروابي، وأرجاء المرابع الخالدة ،كل ذلك ينقله لك الشاعر بدقة لافتة تجعل المتلقى جزء من الصورة لامجرد متفرج عليها، فمن يقرأ هذه المقطوعة - بدون شك- سيجد نفسه فى جو شاعري ماطر بين رفقة طيبة يعيب فتيانها على شاعرهم طربه، وقد جاوز عمر الطرب بالنسبة لهم، والشاعر- بصدق اللحظة وشاعريتها وعدستها- لايتردد فى الدفاع عن نفسه، فكيف لايطرب والغمام يجلل رؤوس الروابى وأفياء أرضه التى سكنته حبا صادقا وذكريات لا تنمحى، قبل أن يسكنها ذات زمن جميل رائع، لايمحوه تقادم العهد ولاشرخ الشباب؟.
فى هذه النماذج وغيرها يقدم لك ولد السالم جواز سفره -عبر الزمن- بعلامات فارقة لاتخطئها العين قوة وإبداعا ونبلا وصعلكة وعشقا للأرض وسكانها ووفاء لانظير له لتاريخ لم تستطع هوج الرياح وقارعات الزمن إزاحة بصماته الباقية بقاء السماء والأرض هنا، تحملها البطاح وأخاديد المياه والغابات الخضلة وحتى الصحارى القاحلة بآكامها وآجامها وحجرها وطيرها ومدرها..أما القامة فهي سامقة تطاول السماء ولاترضى بمادون السماكين.. وككل جوازات السفر فهناك بيان على الصفحات المؤشرة بالبقاع والبلاد التى جابها الشاعرواكثرها فى مضارب قومه التى عاش بين أحضانها حياته الحبلى بالعطاء بين"اندومرى" و"أبير أولاد عيسى" وما فيهما و حولهما من مواقع ومواطن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا"لحجورية، الغاركات، لغشيوات، اكراع ايكنين، لحراث، حفرة حدن، لحويبي، أنيوليه، اطويله، الحفرة، العكله، تاذويديت، تنويكنينات، بوزكراره، تنحبشات، بذره، حرث البوش،اسويكيه، آتيلت محم، أسكذى، تنحنه، لكراعات لمغاس،لمحيد ولمليد،تاتيلة،تن بام،بذرة،أصبيبير،اعريش لغراب،الزيره الدخنه،أغشورت،جانئذ ،تغرريت،انتلات،آوليك لعجب ،تنوايوره ،المحجر،شك الخيمة،تنديجمار، أغورط "وغيرها من "لعكل" التى صقلت حياتها روح الشاعر وموهبته، فحملها إلى العالم عبر شعره وفاء لوطن وهياما وعشقا وتلبسا مسكونا بحب به من الرمال نقاؤها ومن الشعر نضارته ومن الخلود بقاءه الازلي.
الحداء الخالد
تجد فى شعر ولد السالم نكهة خاصة تلامس فيك شيئاما..تستنهض فيك ذاكرة رمل ندي بالعطاء والكفاح..شعره حداء خالد يتردد عبر الزمن ليصوغ لرمال صحرائه التى الفها والفته، واعتادها واعتادته لحنا ازليا خالدا لاينقطع.. والبيئة التى نشأ فيها الشاعر – جغرافيا وتاريخيا- وكما يوضح الاستاذ الباحث بين سطور بحثه فى الديوان لم تخلق من ولد السالم مجرد شاعر عابر ينضاف اسمه الى لائحة شعراء المليون شاعر وانما خلقت به ومنه مدرسة للقيم ومنهجا رائعا للحياة وصعلكة بالمعنى الحميد للكلمة حيث لاعنف ولاخيول ولاسيوف ولكن قناعة وعزة نفس وكبرياء تنحنى لها الشم الرواسي..نحتت البيئة من ولد السالم رمزا خاصا للكفاح فى سبيل البقاء فى ارض تنبت العلم والصبر والتحمل اكثرمما تنبت الزرع...فكانت طينته معجونة بالتعفف والتحمل والصبر والشجاعة والقيم النبيلة، حيث الشعر غاية وليس وسيلة، وحيث الشعر يقدم الشاعر للناس وليس العكس...حيث يناقض الشعر التكسب ويصبح صفة نبيلة يعطى صاحبها ولاياخذ يقود ولايسير فى المؤخرة..وتصبح القصيدة صفحة بيضاء نقية طاهرة مغتسلة ببرد العفاف وثلج القناعة.. وتصبح مصدر أمان وطمانينة وسمو، مبتعدة عن الابتزازوالاسترزاق والارهاب اللفظي:
"نزيلك فامنى ابدا اذاه
نزيل غير مرهوب المصال
ضعيف لايخاف البطش منه
عفيف لايسب على النوال
قراه اذا الم بارض قوم
مفاكهة اللبيب من الرجال"
هكذا يتحول الشعر الى قيمة اخلاقية سامية..ليس شعرا يمدح على العطاء، ويسب على المنع- حاشاللشعر ان يكون كذلك- فهوبالنسبة لولد السالم حداء لقافلة خير وتواضع مافئت تمخرعباب الصحراء مجدا وتواضعا:
"لا اشتم المرء جزامنع نائلة
ولست احمدالا الله ان بذلا
لنفسها اوعليها عند دائنه.
جزاء ماتيه ان جاد او بخلا
بئس الجزاء لمااعطيت من جدل
شتمى عيال الذى اعطاني الجدلا"
قيم ينطق بها شعر صاحبنا فهو حامل رسالة تنزل الشعر منزلته، وتردده حداء شجيا وادعا مع قافلة تزرع- اينما حلت وارتحلت- فى جبين الارض والزمن بذور العفاف والصدق والطهارة.
الشاعر المعلم
لا يجمع الباحث فى ديوان ولد السالم مقطوعات شعرية رائعة مذيلة بشروح جزلة موثقة المصادر صافية المنابع، بقدر ما يقدم لنا محظرة مكتوبة نادرة يتصدرها ولد السالم ناشرا العلم والثقافة الأصيلة واللغة القحة..إنه بحق شاعر معلم سطور قصائده صفحات دفاتر يجد فيها المتلقى علم الدين واللغة والبلاغة والعروض ويتهجى قيم الأخلاق والوفاء والقناعة.
"من كل أروع فى عرنينه شمم
ينمى لأروع فى عرنينه شمم
وكل خزعوبة فى خلقها عمم
من سر خزعوبة فى خلقها عمم"
أليست هذه لغة معلم حقيقي يريد للمتلقين تجديد الإرتباط باللغة الأم كما تأتى من منابعها وجذورها عن طريق استقراء مفردات معجمية تستدعى التوقف عندها لاستقراء معانيها ودلالتها؟..وكذلك يفعل فطاحلة الشعراء، وعلينا القول هنا إن ولد السالم ليس بدعا من كل الشعراء الشناقطة وغيرهم من الشعراء العرب ماقبل عصر الحداثة، حتى وإن كان من أكثرهم جاذبية شعرية، فهم يعطونك شعرا جميلا رقيقا، ويعطونك معه فرصة للارتباط باللغة، وتجشم عناء البحث فى معانيها وشواردها ونوادرها..إن ولدالسالم يستحث فيك روح التفكير والبحث، فعندما ترى هذه العبارات تتوالى- كما حبات السبحة- جميلة عذبة الموسيقى لاتكتفى بمجرد التمايل طربا على وقعها، بل تتوقف لتتساءل عن المعانى والدلالات المرتبطة بها.
"ديار بين أحقاف "السداد"
إلى "نغف الغوير"ف"ذى الوساد"
إلى "جب العجاب" إلى الروابى
روابى" سهلة" الشم النجاد"
هنا أيضا يبين ولد السالم عن شاعريته العالمة والمعلمة،فهو هنا يعرب لك بعض المواضع التى سكنته رملا وتاريخا وعشقا، قبل أن يسكنها ملاعب صبا ومواطن نشأة، " أحقاف السداد" تعريب ل"أغشورت" وهي مجموعة مزارع قديمة جنوب غرب "اندومرى" الحاضرة المعروفة الآن"100كلم شرقي العاصمة نواكشوط" ومعروف أن "الحقف" هو الرمل الواطئ المدبب غير المستقيم و "الغوير" تصغير الغاروقدعرب به الشاعر"جانئذ" وهي رمال غربي "انتوك" وهي مع "انتوك" امتداد غربي لحاضرة "اندومرى" التى سبقت الاشارة اليها، "ذو الوساد" تعريب ل"إن تالأ"وهي مرابع تقع غرب "اندومرى" جنوب "تغرريت" و"لحجورية" وكلها مواضع جنوبي بئر "أودش" القديمة والمعروفة، وتقع هذه المواضع فى الحيز الجغرافي والتاريخي لحاضرة "اندومرى"، "جب العجاب" تعريب ل"آوليك لعجب"الى الغرب من "اندومرى" أما "سهلة" فهي تعريب لعقلة "لحجورية" ذائعة الصيت قديما فى تلك المناطق.
مايهمنا من هذه الوقفة - مع هذه المقطوعة بالذات -هوالتوقف عند القدرة المعجمية واللغوية الثرة لولد السالم، حيث عمد الى تعريب مواطن صباه، ومضارب قومه فى "اندومرى" وماحولها من مزارع وقرى وروابى ضجت بالحياة والعنفوان ذات عيشة هانئة رغيدة، لم يتردد الشاعر فى تذكيرنا بها عبر قصائد ديوانه الرائع..واهمية التعريب هنا هو انه تعريب لاسماء صنهاجية الاصل "حسب الباحث"، يحتاج تعريبها جهدا خاصا واستثنائيا، ورصيدامعرفيا لغويا تاريخيا وجغرافيا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه.
لولد السالم جوانب شخصية عديدة تجعل منه معلما حقيقيا، فديوانه يكتنز ارشادا ووعظا، وفقها اخلاقا وفتوة.
-"حتى متى والى متى لاتقلع
والموت اقرب غائب يتوقع
اضحت لداتك فى اللحود وبعدهم
ترجو من الحمق البقاء وتطمع
لم تجتنب "همص" المنون ولا اتقى
بجنوده سهم المنية "تبع"
-"يافتية الدرس ان كنتم ذوى همم
فهاؤموا فاسمعوا نصحا بلا فند
لولا القريض ومايمليه من حكم
ماميز الحر بين الغي والرشد"
-"يامن له الملك والتدبير منفردا
مافى ولامن سواك الخوف والطمع
لانت ارحم من ام بواحدها
فما توقعي الاهوال والفزع"
أمثلة وشواهد ناطقة بموسوعية ولد السالم الذى تنتقل فى ديوانه كما يتنقل طلاب الفرجة والراحة فى المنتزهات والحدائق بين الاشجار الخضلة والروابى المزهرة والمياه المتدفقة والمروج الناضرة فمن الوعظ الى الارشاد والنصح مرورا بالتاريخ ودقة الوصف تكتشف مع كل شطربيت من شعر هذا الرجل الفارع مدرسة للقيم الفاضلة ومدونة اخلاقية وانسانية تتعالى على كل عوامل النسيان انه بحق الشاعر المدرسة..هوايضا كان وجها ناصعا للمحظرة الموريتانية الخالدة التى جسدها فكرا ومنهجا وممارسة.
وقفة وفاء مستحق
الشرح القيم لديوان ولدالسالم الذى يقدمه لنا اليوم باريحية فى الاسلوب والبحث، استاذنا محمد ولد عبد الباقى، ليس مجرد حواش سفلية منقطة ومرقمة كتلك التى اعتدناها والفناها..إنه إسهام حقيقي فى نفض الغبار عن كنز حقيقي من كنوز الشعرالموريتاني الرائع، وإعادة الاعتبار لشاعر لم يزل كل الزمن الموريتاني مصيخا لقصائده السائرة المتدفقة حكمة وتدينا وصبرا وكفاحا وعفافا..فالباحث وقف معنا لولد السالم وقفة وفاء مستحقة فجاء بحثه تحفة ادبية فريدة بها من التاريخ استقراء، ومن الجغرافية وصف، ومن الادب اسلوب، ومن الجهد البحثي منهجية وصدق..وحمل البحث فى طياته من كل فن بطرف، فابان عن مقدرة بحثية جمة وغزيرة الروافد، وذلك ما تصدقه شواهد المقدمة، التى اجابت عن استشكالات تتعلق احيانا بنشاة الشاعروحياته ودراسته ومكانته الاجتماعية وشخصيته الشعرية الفذة، حتى وان كان بعض تلك الاستشكالات متجاوزا احيانا، على اعتبار ان ولد السالم - مثله مثل الاحول والذيب وغيرهما من فطاحلة شعراء قومه- اغنته شهرته وشهرة شعره ومواطنه ومجتمعه الذى عاش فيه عن معرفة بعض الامور الخاصة فى حياته..ومع ذلك فقدكانت المقدمة اضاءة كاشفة لجوانب- ربما كانت معتمة- فيما يتعلق اساسا بالبعدين الاجتماعي والثقافي لشخصية الشاعر،خاصة بالنسبة للاجيال الموريتانية الحديثة، التى تمر عادة على الشاعر دون الوقوف على خلفيات تكوين شخصيته وشاعريته يقول الباحث فى هذا المعنى وفى الفقرة الأولى من مقدمته" هذا شرح قصير ارتأيت أن أضعه على بعض الألفاظ والمفردات التى بدا لى أنها قد تخفى معانيها على النشئ وعلى غير المهتمين باللغة العربية فى شعر واحد من أبرز شعراء القطر الموريتاني فى القرن الثالث عشر الهجري ألا وهو محمذن ولد السالم ولد ميلود خصوصا فى هذا العصر الذى قل فيه أخذ العربية من منبعها الأول وهو الشعر الجاهلي لقصور الهمم ولتقصير المدارس العصرية فى ذلك وهي المصدر المتاح للتعلم بعد العزوف عن المحاظر واضمحلال أكثرها"..والواقع الذى لاينبغى إهماله وتجاوزه هو أن اسوا ما يعانيه الشعرالموريتاني القديم هو ان يد الاهمال طالت الشعراء وشعرهم، فما ضاع من الشعر الموريتاني القديم اكثر مما تم انتشاله براي عديد الباحثين واهل الاختصاص، وواضح ان ذلك الاهمال إما أنه ادى الى ضياع نصوص شعرية بكاملها،أو طمر شعراء كثيرين بالنسيان، فقضى على شاعريتهم، وحال بين الناس وبين التعرف عليهم وعلى شعرهم ، لذلك فان جهد الباحث والمؤلف محمد ولد عبد الباقى جاء لتمحيص شعر ولد السالم وتدقيقه وتنقيته من الشوائب وشرحه لغويا وبطريقة سلسة وغير معقدة تعطى القارئ سيلا من المعلومات الجغرافية والعلمية والفقهية والنحوية فى سياق سلس لا افراط فيه ولاتفريط..ويبقى القول ان ولد السالم - مهما قيل عنه او كتب عنه- سيظل رمزا شعريا خالدا بين رموز الوطن الموريتاني كله، خلدته قصائده وحفظه صيته الذائع..وإن له لذكرا لاينقطع، وسيرة لاتبلى، وشعرا سيظل فى إذن الزمن ذاكرة لوطن، وذكرى لشاعر فحل ترفض شمس عطائه أن تغيب. نقلا عن الأخبار إنفو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق