بقلم : المختار محمد يجيى |
طبــول ... على قارعة الطريـق
علي منصة رصيف الطريق ، وقفت أرى الإخوان من حولي ، وعاطفة قوية تشدني إليهم ، وأمامي بزات سود تمنعني العبور إلى الساحة التي لا تكاد تترائي لي ، وفي زحمة الخلان التي تضم ذاتي ، تحس نفسي الانتماء لهم ، وكلهم ناظر إلى الأمام وماش إلى قدام ، وفمه لا يتوانى عن الكلام ، لا تمنعه أياد القمع ... ، وصرخات إرادة الحرية تلاطف أذني تارة ، وتقرع طبل الحقيقة في ذهني تارة أخرى ، ويتحدث عقلي ولا أسمعه وسط ضجيج الأحلام والأفكار المتعانقة في ما بينها.
وعلى حين غرة تمسني ذاكرتي وتعود بإدراكي إلى أيام خوالي ، وأشم الدخان الذي أدمنت ، وتقبل بدني الهراوة في موضعها الذي سبق واعتادته ، وأصرخ في وجه النائمين المتشحين بالسواد ، لا ليخففوا وقع الضربات بل لإيقاظهم فالصبح انبلج والليل لون ثيابهم ، ليخلعوه عنهم !... لينزعوه !... ليروا ضوء الحقيقة ! ... إلا أنهم يزيدون من وتيرة التقبيل ... وأعرض عنهم ... وأصد ...! ، لكن لا ينفع الإعراض !، وأروح أجري ... أجري حيث لا أحد خلفي !، وهم من خلفي ... سواد مثل الرداء يغطي الأفق القريب.
كل ما نابني لأني رفضت حبا لمن لا يفيق ، ويريد من يمدحه ، ولا شيء لجمهوره المسالم الرفيق يفعل ، وكل ذلك لأني من رمى ورقة ضميري في علبة ألعابه السوداء ، ونافحت عنه حين أرادوا إسقاطه خلف زملائه اللئام ، الذين ضاعوا في جلبة زحام الواعين البسطاء ، ومن جادت عقولهم بالوفاء لأرض أبي القاسم وحسن وعمر المختار ...
ما أصعب الهروب من ماض رمادي ، إلى حاضر غامض لا يشبه حاضر الإنعتاق ،المزدهي بلونه الأخضر من قديم ، والذي لطخته حمرة النار ، وحمرة الدماء ، والخراطيش الفارغات ، ونظفته أيادي الجموع الواعية من جديد بعد دهر من الخنوع للعذاب ، صمتا وكتمانا للمصاب.
كم شتان ما بين الحاضرين ، حاضرنا اكتفى لنفسه بالإصلاح ونقلة للجموع إلى مكان فيه أضواء ... لا يريدون الشموع ، فهي تذكرنا بماض تليد ... حيث بطون الفقراء تصدر أصوات صاخبة بموسيقى حزينة ... الحان الجوع ، المتناغمة مع قطرات الدموع الساقطة من على الصخور فوق الصدور ... هي تذكرهم بسبات في صحرائهم في هاجرة الصيف حيث لا شتاء يأتي بعده الربيع ، ... يريدون أن تحيى العقول بالعمل فلا أدراج توضع فيها إجازتهم ، فلن تترك لأرضة ولا قوارض يحرضها التاريخ القريب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق