هي مادة متمِّمة لما درستموه في السنة الأولى في مادة أصول البحث وهذه المادة قد أعانتكم على تفهم المرحلة الجامعية التي أنتم فيها والمستقبل المنظور الذي ينتظركم كي تصبحوا كتّاباً ومؤلفين وباحثين, هكذا يفترض .
منهج البحث في اللغة والأدب : هو الطريق الذي يعطي الطالب طريقة البحث وطريقة جمع المادة العلمية لبحث ما يريده، ثمّ يعطيه المنهج الذي يحلل وفقه هذه المادة وينوره في العمليات العقلية التي عليه أن يخوض غمارها أو يجريها من أجل الوصول إلى نتائج جيدة في بحثه.
منهج البحث في اللغة والأدب : هو الطريق الذي يعطي الطالب طريقة البحث وطريقة جمع المادة العلمية لبحث ما يريده، ثمّ يعطيه المنهج الذي يحلل وفقه هذه المادة وينوره في العمليات العقلية التي عليه أن يخوض غمارها أو يجريها من أجل الوصول إلى نتائج جيدة في بحثه.
فالمادة ليست مهمة لطلاب اللغة العربية بوصفهم طلاباً للغة العربية إنما هي مهمة لنا أيضاً في الحياة ذلك أن الناس أنواع :
ناس يسيرون ضمن منهج في الحياة وأناس أغبياء فوضويّون تمشي حياتهم في هذه الدنيا وفق ما تجري بهم الرياح .
فمنهج البحث هو الطريقة التي تجعلنا نتنوّر، تجعلنا نرى أبعد مما يراه الإنسان العادي .
منهج البحث في اللغة والأدب: هو المنهج الذي يحكم الأبحاث اللغوية التي تتصل بالأدب.
وهو المنهج الذي يحكم الأبحاث الأدبية, كل ما يتصل بالأدب .
منهج البحث في اللغة والأدب: هو المنهج الذي يحكم الأبحاث اللغوية التي تتصل بالأدب.
وهو المنهج الذي يحكم الأبحاث الأدبية, كل ما يتصل بالأدب .
فلو أخذنا المثال التالي : "حضور القصيدة الجاهلية في الشعر المعاصر" .
فلو أخذت هذا العنوان لكي أدرسه فلا بد لي من أضع منهجاً لهذا البحث .
هذا المنهج يتصل بمجموعة أشياء منها :
حدود هذا الموضوع من : حيث الزمان – من حيث المكان – من حيث الموضوع , وحدود هذا الموضوع .
فلا بدّ لي أن أعرف كل هذا وأحدده بدقة .
ويتصل المنهج أيضاً بـ :
منهج جمع المادة العلمية :
منهج تصنيف المادة العالمية :
منهج التحليل للمادة العلمية .
وأخيراً : منهج لاستنباط النتائج .
وكل هذا لا بد فيه من طريقة التأليف: كيف أُأَلِّف الكلمات والجمل والتراكيب والفقرات, لا بد أن
تكون لها هيئة فهناك هيئة تأليف :
الشكل والبنية لا بد أن أعرف هذا كله, إضافة إلى ذلك أنني ينبغي أن أعرف :
أ ــ الشكل النهائي .
ب ـــ صفات الباحث .
كل هذا سندرسه في مادة منهج البحث في هذا الفصل وهي ساعة نظرية والدكتور علي أبو زيد يعطيكم ساعة يوم السبت لتحقيق المخطوطات, مجموع الساعتين يؤلف هذه المادة الجميلة جداً,
والتي يهمنا أن نستفيد منها, بعض جوانب هذه المادة نظري قد تشعرون فيه بالملل؛ لأنها مادة نظرية وسهلة جداً ونسبة النجاح فيها 70 % أو 80 %
ولكن رأيي أن تدرسوا هذه المادة وأنتم راغبون فيها؛ لأنها مادة جميلة تحكم أبحاثكم في المستقبل .
1ــ نبدأ بجمع المادة العلمية أو ما يسمى بالاستقراء :
ولكن رأيي أن تدرسوا هذه المادة وأنتم راغبون فيها؛ لأنها مادة جميلة تحكم أبحاثكم في المستقبل .
1ــ نبدأ بجمع المادة العلمية أو ما يسمى بالاستقراء :
الاستقراء هو : منهج، بعضهم قَزّم هذا المنهج بدراسته ويسميه أداة بحثية, لكن الاستقراء منهج لأن له عالمه الخاص طريقته وأنواعه وتفاصيله المتعددة, فهو منهج يحق لنا أن نسميه منهجاً ,
هذا المنهج يسمى منهج الاستقراء من الفعل الثلاثي : قرا ــــــ يقرو بمعنى يتبع أو يتتبع . هذا المنهج له أصوله ومعالمه .
الاستقراء هو : تتبع المادة العالمية لموضوع ما في مظانِّها, ما معنى مظانها؟ مراجعها , مصادرها، أين مظانها في المثال السابق؟ مظانها : القصيدة الجاهلية والشعر المعاصر, فأذهب إلى الشعر الجاهلي فأستقري معانيه, وشكله كل هذا أبحثه في القصيدة الجاهلية, ثم أذهب إلى الشعر المعاصر وأنطلق من خلفية أني أعرف الشعر الجاهلي, أعرف المعاني التي كانت في الشعر الجاهلي، ثم أقرأ الشعر المعاصر, ماذا سأقرأ؟ كل ما يشير إلى معنى ورد عند الجاهليين، كل ما يشير إلى طريقة تأليف وردت عند الجاهليين, طريقة صياغة الشعر، ثمّ سأجري البحث .
إذا الاستقراء له مجال وهذا المجال هو الذي يحدد حجم الاستقراء الذي سأجريه, ومن جهة الكمّ الاستقراء ثلاثة أنواع :
1 ـــ الاستقراء التام "الكامل": هو تتبع كل عينات الدراسة أو تتبع عينات الدراسة كلها. لو كان موضوعي مثلاً : وصف المرأة في شعر المتنبي وأردت أن أجري استقراءً تاماً ماذا سأقرأ؟ سوف أذهب إلى شعر المتنبي كاملاً, وأستقصي كل معنىً أو كل بيت ورد عن المرأة في هذا الشعر, هذا الاستقراء وهو الاستقراء التام .
والاستقراء هو تتبع الأمثلة الجزئية بغية الوصول إلى قواعد كلية.
المقصود به مثلاً في النحو, القاعدة تقول : اسم الفاعل يدل على من قام بالفعل وهو مرفوع .
كيف وصلنا إلى هذه القاعدة؟ هذه تسمى قاعدة كلية, ومعنى كلية: يعني شاملة لكل مفردات هذه القاعدة .
كيف وصلت إلى هذه القاعدة؟ بالاستقراء وهذا الاستقراء مضطرد لم تخل به مثل من الأمثال عرفت في النهاية أن اسم الفاعل اسم يدل على من قام بالفعل .
إذاً ماذا صنعت؟ تتبعت الأمثلة الجزئية "قام زيدٌ – وصل المسافرون – صنع الناس المعروف" كل هذه الأمثلة الجزئية تدلني على أن الفاعل هو من قام بالفعل وأنه مرفوع .
وهذا الاستقراء نستخدمه في حياتنا اليومية وفي قراءاتنا وأبحاثنا ورؤيتنا, في كل أنشطة الحياة لا بد لنا من الاستقراء, استقراء الأمثلة الجزئية التي تفيدنا في إصدار الحكم الكلي قد يكون هذا الحكم خاطئاً, وقد يكون صحيحاً, لكن عملية الاستقراء تجري في كل أنحاء الحياة .
إذا استقريت كل المفردات، كل الأمثلة الجزئية كان استقرائي تاما وواضحاً وهو أعلى أنواع الاستقراء, وليس بالضرورة أن يكون استقرائي هو الصواب .
2 ــ الاستقراء الواسع "الموسّع": هو الاستقراء الذي يشمل أغلب الأمثلة الجزئية أو أغلب عينات الدراسة, يعني وصف المرأة في شعر المتنبي يستحيل عقلاً أن أحصي كل معنى جزئي في شعر المتنبي عن المرأة, لكن لا يستحيل عقلاً أن أحيط في أغلب جزئيات هذا الموضوع, وهذا نسميه استقراءً واسعا أو موسّعاً .
وهذا الاستقراء هو المستخدم كثيراً في منهاج البحث في اللغة والأدب .
3 ـــ ًالاستقراء الناقص : هو الذي يشمل جزءاً من عينة الدراسة, أو الأمثلة الجزئية التي تنتمي إلى موضوع البحث .
فالنوع الأول من الاستقراء نلجأ إليه أحياناً، مثل حالات الإحصائيات.
كأن تقوم الدولة بإحصائية ما فلا بد أن تقف على كل جزئيات البحث .
أحياناً لا يريد الباحث ذلك إنما يريد الوقوف على أغلب جزئيات المادة "البحث" فعندها نلجأ إلى الاستقراء الواسع أو الموسع وقد يقول الباحث أنا لست بحاجة إلى هذا الاستقراء الموسع فبعض الأمثلة يكفي لبحثي فعندها نلجأ إلى النوع الثالث وهو الاستقراء الناقص .
في مادة أصول الفقه هناك قواعد أصولية مثل الضرورات تبيح المحظورات.
كيف وصلوا إلى هذه القاعدة الكلية؟! استقرؤوا الأحكام الجزئية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , فخرجوا بهذه القاعدة بعد استقراء هذه الأحكام الجزئية وصلوا إلى قاعدة تحكم كل ما هو محظور بأنه مباح في حال الضرورة
عكس الاستقراء ـــــــــــــــــــــ الاستنباط :
والاستنباط : عندي قاعدة كلية أستنتج منها أحكاماً جزئية .
فالاستنتاج : هو الانطلاق من القاعدة الكلية أو أخذ الأحكام من القاعدة الكلية وتطبيقها على الأمثلة الجزئية المتجددة .
ــــ مثال على ذلك في الأدب :
لدينا قاعدة كلية تقول : إن كل شعر لا بد أن يكون مقفَّى أي له قافية هذه قاعدة كلية فإذا وجدت أشعاراً على غير قافية أحكم على إخراجها من دائرة الشعر بناءً على القاعدة الكلية المتقدمة .
مثال آخر : إن القصائد الجاهلية تسير على نمط تقليدي واحد وهو المنهج التقليدي للقصيدة الجاهلية هذه تسمى قاعدة كلية .
فإذا وجدت شاعراً خالف المنهج التقليدي أقول خرج عن منهج القصيدة التقليدي للشعر الجاهلي فأحكم على هذه الجزئية من خلال القاعدة الكلية .
استنباط حكم جزئي من خلال القاعدة الكلية .
مثال آخر : إن القاعدة الكلية تقول إن الشاعر غزير الشعر، وجيّده، ومطبوعه، المؤثر في غيره هو شاعر فحل .
هذه قاعدة كلية, كيف وصلنا إليها؟ عن طريق الاستقراء تتبعت أحوال الشعراء فوجدت أن الفحول منهم هم من تتحقق فيهم هذه الصفات, الطاقة الشعرية وغزارة الإنتاج الكم والكثرة، وتنوع الأغراض، الطبع والجودة، التأثير . . . الخ.
الآن وجدت شاعراً من الشعراء أردت أن أحكم عليه أقول هو فحل في الشعر بناءً على أنه حقق كل مفردات القاعدة وهذا يسمى استنباطاً .
الاستقراء نوعان بحكم طبيعته :
1 ــ استقراء حسي .
2 ـــ استقراء ذهني .
الاستقراء بحسب هيئته، بحسب طبيعته نوعان :
فالاستقراء الحسي: أي محسوس مرئي, مفرداته التي أستقيها ماثلة للعيان أراها أُشخِّصها كالعلوم التجريبية في المشافي والمصانع وغيرها, وكل هذا يسمى استقراءً حسيّاً .
أما الاستقراء الذهني: فهو عمليات يجريها الدماغ سريعة جداً توصله إلى قاعدة كلية وهذا نجريه كثيراً في حياتا اليومية في البيت، في القراءة، في اللعب . . . الخ
وهذه القواعد الكلية قد تكون دائمة الثبوت وهذا هو الأصل وقد تكون مؤقتة الثبوت تحكم فترة معينة كاختلاف الأذواق من عصر إلى عصر في اختيار الألوان والثياب وغيرها . . الخ .
وهذا له صلة كثيرة جداً في علم نفس الإعلام .
فكيف يغيرون المجتمعات عن طريق هذه الأمثلة الجزئية التي يأخذونها ثمّ يغيرون شيئاً فشيئاً وهكذا يصبح التغيير .
والحقيقة أننا بحاجة إلى أن ننظر إلى أنفسنا من الخارج أن ننتقد طريقة تفكيرنا أن ننتقد العمليات العقلية التي نجريها في محاكمة الأشياء والحياة لنعرف إلى أي مدى نحن مقصرّون في النشاط وخدمة هذا الوطن وهذه الأمة، هذا الوطن الذي ننتمي إليه؛ لأننا نحمل هذه الناحية في طرائق تفكيرنا وفي النظر إلينا، والنظر إلى الآخر المتربص بنا الذي يشتغل للنيل منا ومحو وجودنا وإلغاء هذه الأمة من الخارطة.
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين
كنا قد تحدثنا في المحاضرة الماضية وأخذنا الاستقراء وعرفنا أن الباحث لا يستغني عن المنهج في عمله, وإنه إن استغنى عن المنهج فإنه سيخبط خبط عشواء يصيب تارة ويخطئ أخرى فالمنهج ضروري جداً للباحث ؛ لأنه يوصله إلى نتائج صحيحة في بحثه.
واليوم نكمل الرحلة مع مناهج البحث لكن اليوم سنكون في منهج جديد لا بدّ للباحث من اللجوء إليه شاء أم أبى هو:
المنهج التحليلي, فالباحث جمع مادته العلمية عن طريق ماذا؟
عن طريق منهج الاستقراء ولا بدّ له حتى يصل إلى النتائج من أن يمر بمنهج آخر هو المنهج التحليلي وبعد التحليل سيصل إلى الاستنباط أو الاستنتاج.
فالطريق واضح استقراء فتحليل فاستنتاج وما دمت أعرف أنني كيف سأستقري مادة البحث فلا بد لي أن أعرف كيف سأحلل هذه المادة وأفصِّلها حتى أخرج بنتائج صحيحة فدرسنا اليوم هو:
المنهج التحليلي
والمنهج التحليلي يتناول الأمثلة الجزئية التي جمعتها في الاستقراء يصنفها يبحث عن المشترك فيما بينها يضع معايير للتحليل وبعد ذلك كل هذا الذي وصل إليه يقدّمه هديّة مجانية للاستنتاج بعد تعب شديد حتى يصل الباحث إلى مراده إذاً بحثنا عن التحليل.
-فالتحليل منهج بحثي بحت يرد المادة العلمية للبحث إلى أجزائها الأولى ويبحث في خصائص هذه الأجزاء كلاً على حدة, من أجل الوصول إلى المرحلة الأخيرة في البحث وهي الاستنتاج أو الاستنباط.
إذاً: ما هو التحليل؟
هو ردّ الأجزاء إلى أصولها الأولى والبحث في خصائصها وسماتها وصفاتها وما هو مشترك فيما بينها, وما هو مختلف فيما بينها وما هو ذو دلالة فيها وما هو غير ذي دلالة فيها كل هذا يبحثه المحلّل, محلل المادة العلمية؛ فالتحليل منهج؛ لأنه يقوم على قواعد وله سمات, والاستقراء منهج لأن له قواعد ويقوم على سمات.
والاستنباط أو الاستنتاج منهج لأنه يقوم على قواعد وله سمات وخطوات ثابتة راسخة منذ اكتشافه إلى يوم الناس هذا.
الآن سوف نأخذ مثالاً هو كتاب ابن سلام الجمحي "طبقات فحول الشعراء" لنغوص معه ونعرف طريقته في التحليل أو المنهج التحليلي عنده.
ماذا صنع ابن سلام في هذا الكتاب, سنذهب معه وفق هذه الخريطة.
أولاً: استقرى يعني جمع أسماء أعلام الشعر في الجاهلية والإسلام وعرف أشعارهم أحاط بهم علماً عرف أخبارهم عرف ما قيل فيهم من نقد على ألسنة الشعراء والرواة والنقاد ورجال الحكم أو الرياسة أو الوجهاء.
إذاً: هو عرفهم ووضعهم عنده في خانة الاستقراء وعرف أشعارهم فاضطلع على هذه الأشعار وتبيّنها بيتاً بيتاً, ووثّقها ثمّ عرف أخبار الشعراء وأخبار الشعر وكل ما أحاط بالشعر من أخبار تفيده في تحليله ثمّ جمع ما قيل فيهم من نقد وما قاله الرواة وما قاله الشعراء والنقاد والوجهاء ثمّ وثّق لنا أشعارهم فاكتمل عنده الاستقراء.
الآن السؤال الذي نسأله: ما نوع الاستقراء عند ابن سلّام؟
هو استقراء موسّع؛ لأنه يستحيل عقلاً أن يحيط بكل شعراء الجاهلية والإسلام؛ ولأنه لا يملك الأدوات الكافية للإحاطة بجميع مفردات العينة أي عينة الدراسة؛ لأنه ربما كان في قبيلة من القبائل تسكن في أطراف الجزيرة مما هو بعيد مسافة عن ابن سلام ولم ينتهِ إليه خبر شاعر فيها؛ ربما مجهول أو قليل الشعر لكننا يقيناً نقول إنه قد توسّع في الاستقراء إلى درجة أننا متأكدون من أنه أحاط بمعظم أو أغلب الشعراء.
إذاً: هذا ما صنعه ابن سلام بعد أن صنع هذا ماذا فعل ذهب إلى التحليل, ماذا عرفنا عن التحليل, هو ردّ المادة العلمية للبحث في أجزائها الأولى ... إلى آخره.
إذاً: هو ماذا صنع؟
وضع كل الشعراء الذين جمعهم على المائدة ووضع كل أشعارهم على المائدة وأخبارهم وما إلى ذلك.
فردّ الأشياء إلى أصولها وفكّكها تفكيكاً ماهراً, ثمّ ماذا صنع؟ بحث عن الصفات المشتركة فأوجد لنا مجموعة من المعايير تُسمى معايير التحليل.
هذه المعايير جعلها غربالاً, فقال كتابي عنوانه "طبقات فحول الشعراء".
فلا بد لي من أن أضع معايير أخرج فيها شعراء وأبقي فيها شعراء.
ما هذه المعايير؟
قال: كل شاعر غزير الشعر عنده طاقة شعرية عنده تنوّع في أغراض الشعر فإنه سيدخل في البحث.
إذاً: هذا معيار الشعر عنده, هو سيذهب مثلاً إلى الأعشى ذهب إليه فوجد أنه شاعر مكثر وأنه نظم على كل البحور الشعرية وفي أغراض متعددة فقال هذا الشاعر يستحقّ أن يكون في طبقاتي.
يقول: كل شاعر جيد فسأدخله في الكتاب كل شاعر مؤثر في غيره سأدخله في هذا الكتاب, كل شاعر مطبوع بشعره سأدخله في هذا الكتاب, وسأسمي من كانت عنده هذه الصفات الأربع فحلاً, لم يكتف بذلك فحسب بل قال: كل شاعر مشهور سأجعله في كتابي.
إذاً: هذه معايير للتحليل؛ لأن هذا المعيار سوف يُسقط عليه مجموعة شعراء, فإن اتفق هذا المعيار على هذه العينة عينة الدراسة عند ذلك نقول: إنه يدخل عند ابن سلام في طبقاته وهكذا في كل معيار من معاييره.
فابن سلام ماذا صنع؟
استقرأ ثمّ حلل هذه المادة العلمية وهو يحلل نقرأ تحليله فإن تحليله له سمات سنذكر كل سمات التحليل:
أولاً الموضوعية أو الخروج عنها
فابن سلام قال:
"أنا ذهبت إلى أشعار العرب وشعرائهم وجمعت أعلامهم وعرفت أشعارهم وأخبارهم وما قيل فيهم من نقد الرواة إلى آخره, ثمّ حللت هذه المادة العلمية وفق الطريقة الآتية:
كل شاعر غزير الشعر , آتي إلى ابن سلام وأسأله هل كنت موضوعياً هل اتسم تحليلك بالموضوعية في أثناء وضعك هذا المعيار وتطبيقه هل أنت حقاً ذهبت إلى كل شاعر غزير الشعر فأدخلته وكل شاعر قليل الشعر بعدّته عن ذلك.
أنا ماذا أصنع؟
أحاكم موضوعية الباحث فأقول:
إن تحليله يتّسم بالموضوعية أو بالخروج عن الموضوعية فالموضوعية سمة من سمات التحليل وعندما يقول لي كل شاعر جميل الشعر يدخل في بحثي أقول له: ألم تستبعد شعراء جيدي الشعر, عندما يقول لي: كل شاعر مؤثر في غيره جعلته في كتابي أقول له: ألم تستبعد شعراء مؤثرين في غيرهم من نطاق بحثك يصدق عليهم هذا المعيار ولم تدرجهم في كتابك.
فأقول: إنه خرج عن الموضوعية أو اتسم بالموضوعية.
إذاً: فالسمة الأولى هي الموضوعية أو الخروج عنها.
-من سمات التحليل: الموضوعية, فالباحث عندما يضع معياراً للبحث أو تحليله المادة العلمية التي جمعها فإنّ عليه أن يتسم في هذا المعيار بالمصداقية فلا يخرج عنه مثل يخالفه, فالمعيار قاعدة ينبغي أن تضطرد والباحث المتميز هو الذي يحيط بمادته العلمية ويحكمها عن طريق القاعدة التي وصل إليها وجعلها معياراً للتحليل.
ففي كتاب ابن سلام نجد أنه وضع مجموعة من المعايير لتحليل مادته العلمية, وهذه المعايير صادقة وعندما نرى أنها غير صادقة فإن ابن سلام ينبّهنا إلى أنه قد جعل في أثناء البحث معياراً يدخُل ما يُظن أنه خارج عن المعيار أو المعايير الأخرى, إلى نطاق البحث.
السمة الثانية السطحية والعمق
مثلاً: كل قماش لونه أزرق يدخل في نطاق البحث.
كل شاعر جيّد الشعر يدخل في نطاق البحث.
فنحن أمام معيارين مختلفين, أحدهما: سطحي, بسيط آتي بكل قماش لونه أزرق وأدخله في نطاق البحث, لكن المعيار الآخر:
كل شاعر جيد الشعر هذا مقياس عميق جداً؛ لأنه يحتاج إلى أن أعرف نقد اللفظ ونقد المعنى, ونقد العاطفة ونقد الخيال والمذهب الشعري والشعر المطبوع والغير مطبوع وأن أبحث عن كل بيت شعري على حدة.
أفعل كل ذلك من أجل أن أحكم على شعر ما أنه جيد فهذا المقياس يبدأ بالمعمق, بينما ثمّة مقاييس أخرى تتسم بالسطحية أو أنها واضحة جداً للعيان ولا تحتاج من الباحث كثير جهدٍ أو عناء؛ فالمعيار الذي يدفع الباحث إلى بذل الجهد نقول عنه : إنه معيار عميق له أبعاد مختلفة له بُعد فلسفي له بُعد معرفي له بعد فني له بعد جمالي كل هذه الأشياء تجعلني أقول: إن هذا المعيار يتّسم بالعمق, بينما معايير أخرى تحتاج فقط إلى الإحصاء نقول عنها إنها معايير سطحية بسيطة.
يلجأ بعض الباحثين إلى معايير تتسم بالسطحية كالمعايير الإحصائية كأن يقول مثلاً: عدد الأفعال الماضية في هذه القصيدة كذا وكذلك المضارع والأمر, هذا في الغالب سطحي, إلا إذا كانت له أبعاد, أريد مثلاً من خلال الإحصائية أن أحاكم طريقة تسيير شعر امرئ القيس من خلال شعره هل هو شخص يحكم على الأشياء من خلال الماضي هل يحكم عليها من خلال المستقبل؟ نوعية الجمل نوعية التراكيب؛ فالتراكيب الطويلة تنبئ عن عقلٍ أكثر وعياً من التراكيب القصيرة, أشياء كثيرة جداً.
تحليل بنية هذا النص, المعجم الشعري هل هو معجم بدوي هل هو معجم حضري الألفاظ تدل على الأنوثة أو على الذكورة في هذا الشعر.
مجموعة أشياء تفيدني جداً في التحليل لكن أن أكتفي بأولها فأقول: عدد الأفعال عدد الأسماء أسماء الأماكن التي وردت في النصّ أضع هذا أمام القارئ فحسب.
-عند ذلك أقول إن هذا التحليل سطحي.
التحليل العميق يحتاج إلى جهدٍ وتعب وكثير من العمل الفكري الشاق من أجل الوصول إلى نتائج جيدة.
أما التحليل الذي يتسم بالعمق فهو الذي يحتاج فيه صاحبه إلى أن يبذل جهداً متميزاً في تحديد أبعاد المادة التي يحللها "في عمليات مركبة" معقّدة يستطيع الباحث المتميز أن ينجزها أما الباحث التقليدي فينفر منها أو يهرب منها لذلك نحن عندما نحاكم الرسائل الجامعية في الماجستير والدكتوراه ماذا نصنع؟
نبحث عن معيار الباحث في التحليل هل هرب من هذه الأشياء هل واجهها, قد يُخطئ والمخطئ له أجر والمصيب له أجران لا مشكلة أن يخطئ ولكن المشكلة إن هرب منها وكان خائفاً مرعوباً لجأ إلى الجمع وتحليل ما جمعه بمعايير سطحية جداً, ثمّ يجعل الرسالة رسالة الماجستير أو الدكتوراه للمناقشة ويُدعى لها الأصدقاء والأحباب ويناقش وينال درجة الامتياز أو الشرف عند ذلك تحدث المصيبة, ومن أمثلتنا على ذلك: انظروا إلى هذا المعيار "كل شاعر مشهور" هل هذا معيار سطحي أم عميق لا نقول عنه سطحي ولكنّه أقرب إلى السطحية هو ليس سطحي بالمطلق؛ لأن معيار الشهرة يحتاج إلى مجموعة ركائز ينبغي أن أتبينها حتى أعرف المشهور عند مَن, عند الناس أم عند العلماء أم عند الخلفاء أم عند النقاد أم عند الشعراء إلى آخره.
فمعيار الشهرة غير مضبوط مئة بالمئة؛ عند ذلك أقول هو أقرب إلى السطحية في حين أنني أقول: كل شاعر جيّد الشعر, هذا مقياس عميق جداً يحتاج مني إلى معرفة العلم بالشعر ونقد هذا الشعر.
السمة الثالثة الدقّة أو الخروج عنها
هل كان الباحث في هذا البحث دقيقاً جداً, أم لم يكن كذلك, أناقش مع الباحث كلّ مثال جزئي ذهب إليه فأعرف هل كان يناقش هذا المثال وفق هذا المعيار بطريقة دقيقة مئة بالمئة, أو أنه كان لا يخرج عن المعيار أو يلوي أعناق النصوص, يقفز على الكلمات الواردة في سياق الخبر النقدي أو الخبر الأدبي.
السمة الرابعة هي الشمول أو عدمه
إن الباحث في معاييره التي وضعها لا يمكن أن يشمل كل المادة العلمية؛ فالمعايير التي وضعها هل تشمل كل المادة العلمية أو أنها لا تصدق على كل المادة العلمية التي جمعها, بمعنى استكمل كل ما يلزم هذا المعيار أم لم يستكمل كل ما لزم هذا المعيار هنا.
نكمل في محاضرة قادمة إن شاء الله تعالى, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
والنقد بالاختيار : أن يختار الناقد مجموعة من النصوص الأدبية ويخفي عنا القواعد التي اختار على أسسها هذه النصوص مثل المفضليات والأصمعيات فاستبعد نصوصاً وقرب نصوصاً فهذا نقد بالاختيار ، فلو قلنا لأحدهم لم اخترت مثلاً قصيدة الأعشى وتركت قصيدة زهير مثلاً فهو اختار قصيدة ونفى أو استبعد قصيدة أخرى فهو نقد بالاختيار .
نحن ماذا نريد ؟ نريد قواعد كلية قرارات توصلنا إليها بعد أن حللنا مجموع القصائد التي اختارها الأصمعي مجموع القصائد التي اختارها المفضل الضبي ، حللناها توصلنا إلى قرارات .
المادة العلمية توصلت بشكل عام إلى أن النقاد :
يعتمدون على أساس قدم النص الأدبي لتفضيله ، هذه قاعدة كلية مثلاً توصلنا إليها بعد أن حللنا عشرات القصائد وجدنا أن النسبة الكبرى منها لشعراء جاهليين ، فبعد التحليل استنتجنا أن النقاد يعتمدون قدم النص الأدبي لتفضيله.
هذا الكلام كله افتراضي نحن نفترض هذه الأشياء من أجل التوضيح بما يتصف هذا الحكم ؟
يتصف بأنه :
1 – شامل .
2 – دقيق .
3 – يستند إلى تحليل .
4 – يستند إلى برهان إلى دليل عليه ، فلو جاء أحدهم ليناقشني في هذا الحكم الذي وصلت إليه ليقول لي كيف تقول هذا الكلام ؟ وعدد شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي عند الأصمعي أكثر من الشعراء الجاهليين؟ عند ذلك يتخلخل هذا الحكم لا يثبت أمام الحجج ، فمن سمات الحكم الذي أصل إليه في الاستنتاج أنه :
1 – شامل .
2 – دقيق .
3 – يستند إلى تحليل .
4 – يستند إلى برهان .
5 – قابل للقياس بمعنى أستطيع أن أبرهن عليه بسهولة .
6 – أن يتمتع بالصدقية أي مطابق للعينة التي درس فيها مطابقة واقعية .
7- أن يتمتع بالثبات أي ثابت النتائج .
فإذا تحققت فيه هذه الصفات كان الحكم صواباً ، فإذا أصاب إحدى هذه الصفات: السلب أو الغلط أو عدم الدقة فعند ذلك نقول إن هذا الحكم لا يثبت أمام البحث وأمام الدلائل التي نذهب إليها أو نستنبطها من النصوص الأدبية أو من النصوص التي هي عينة البحث.
نريد أن نأخذ حكماً افتراضياً آخر مثلاً نقول :
النقاد اعتمدوا أساس فحولة الشعراء لاختيار النصوص .
أيضاً هذا الحكم شامل ودقيق يستند إلى تحليل ويستند إلى برهان ودليل لابد من توافر ذلك الاستنتاج نصل إليه من خلال البحث .
تنبيه إن أي بحث يخلو من نتائج لا قيمة له على الإطلاق فهو بحث ضعيف لابد لكل بحث من أن يصل إلى غايته ومبتغاه .
أيضاً : أنهم يعتمدون أساس غرض المدح والرثاء أكثر من غيرهما لاختيار النصوص مثلاً هذا يفترض أن من خرج بهذه القاعدة أنه أجرى الاستقراء المطلوب ثم حلل فوجد أنهم جعلوا غرض المدح والرثاء أساساً لاختيار النصوص أكثر من غيرهما من الأغراض الآن إذا نظرنا إلى هذه الاستنتاجات سنجد أنها يمكن أيضاً أن نخرج منها بشيء أكثر شمولية عندما نقول : النقاد يعتمدون على أسس محددة في اختيار الاختيار .
عندما نقول مثل هذا الكلام فهو أكثر شمولية .
لابد في كل واحد من هذه الاستنتاجات التي أتوصل إليها أن يكون قابلاً للقياس أي أبرهن عليه بسهولة أو أدلل عليه فهو أمر ليس معقداً , البرهنة عليه ليس أمراً معقداً، في حين أن الأشياء الشاملة أكثر تخف درجة المقايسة فيها .
ينبغي أن يتمتع بالمصداقية أن يطابق للعينة التي درس فيها مطابقة واقعية فمن الحماقة أن أصل إلى استنتاج من غير عينة مدروسة فأقرر مثلاً أشياء وأنا لا أبني هذه القرارات أو الأحكام على عينة مدروسة محللة تحليلاً منطقياً .
وأيضاً ينبغي أن يتمتع بالثبات أو المقصود بذلك هو أنني على أي مادة مشابهة أطبق عليها هذا الحكم فإنه ثابت أي ثابت النتائج أي مادة مشابهة ليست من عينة الدراسة طبقت عليها هذا الحكم فإنه سوف يعطيني النتائج ذاتها عند ذلك أقول إنه يتمتع بالثبات .
لو ذهبتم إلى مكتبة الدراسات العليا و فتحتم رسائل الماجستير والدكتوراه لوجدتم العجاب ولدهشتم اندهاشاً هائلاً من أن كثيرين من الطلاب لا يتقنون الوصول إلى مرحلة الاستنتاج فإن وصلوا إلى مرحلة التحليل فبجهود في الغالب من أساتذتهم إلا إذا كان الطالب مبدعاً وروح الإبداع تحفزه على العمل والدأب في كل حين :
الطالب المبدع هو الذي يصل إلى أحكام لا يمكن دفعها ، يعطي للقارئ انطباعاً بأنه مسيطر على المادة العلمية التي جمعها وأنه قد حللها تحليلاً منطقياً جيداً وأنك يصعب أن تجد مثالاً من غير ما جمعه ينفي حكماً من أحكامه ، الباحث المبدع يحكم السيطرة على مادته العلمية فيحللها التحليل الصحيح و يتوصل إلى أحكام يصعب دفعها بأمثلة ليست من مادته العلمية التي جمعها .
الباحثون الجيدون ماذا كانوا يصنعون ؟ كانوا يميلون إلى الاستقراء التام لماذا ؟ حتى لا يأتي مثال من الأمثلة فينبني حكم من الأحكام التي توصلوا إليها مثلاً : شعر تغلب أو شعراء تغلب في الجاهلية والإسلام حتى بداية العصر الأموي مثلاً وتغلب قبيلة من القبائل ، الباحث ماذا سيصنع هنا ؟ عليه أن يجمع شعر تغلب وأن يحلله وأن يتوصل إلى نتائج ، لكن بحثه ليس معنياً بالدراسة كعنايته بالجمع فهو يريد أن يقدم ديواناً – ديوان شعر قبيلة تغلب – مثل هذا الباحث عليه أن يستقري كل المكتبة العربية وكلمة كل كلمة ليس مبالغاً فيها فعليه أن يخوض في كل الكتب وأن يصنف الكتب ، كتب النحو ، كتب الأخبار ، كتب الأدب ، كتب التفسير كل أنواع المكتبة العربية سوف يذهب إليها كتاباً كتاباً ويقرأ كل كتاب ويجمع ما في هذا الكتاب لشاعر من شعراء تغلب في الجاهلية والإسلام فهو عمل كبير جداً لكن بعض الباحثين بعض طلاب الدراسات العليا صنعوا مثل هذا العمل واستطاعوا أن يجمعوا كل المكتبة العربية القديمة وأن يجمعوا منها الأبيات وأسماء الشعراء والأخبار المتصلة بهؤلاء الشعراء وبهذه الأبيات بكتابهم أو في رسائلهم .
أريد منكم بعد أن أخذنا منهج الاستقراء ومنهج التحليل ومنهج الاستنباط أو الاستنتاج أن تفكروا في هذا المنهج ( المنهج البنيوي ) ومنهج الاستقراء وما أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينهما .
أولاً – ما معنى المنهج البنيوي : المنهج الذي يدرس بنية النص .
لدينا المنهج الأسلوبي والمنهج النفسي – المنهج التفكيكي – منهج البلاغيين الجدد هل سمعتم بكل هذا ؟
سأذكر الآن كلاماً مهماً وهو أن كثيراً من الباحثين والدارسين والأساتذة في رأيي أنهم يخطئون أو يتجوزون في إطلاق كلمة مصطلح المنهج على أشياء غير الاستقراء أو التحليل أو الاستنتاج كيف يتجوزون ؟ يقولون المنهج البنيوي ويذهبون إلى قصيدة من القصائد فيدرسون بنية النص ، مما تتألف النظام التركيبي والنظام النحوي والصرفي والدلالي لهذا النص يدرسون هذه المستويات ويقولون إننا ندرس وفق المنهج البنيوي .
الحقيقة أننا تجوزاً يمكن أن نسمي هذا بالمنهج البنيوي تجوزاً لكنه ليس منهج بحث ، هذا اتجاه في الدراسة والمقصود بالاتجاه في الدراسة أنني مع مجموعة منكم مثلاً أنشأنا نظرية لتناول النص الأدبي سميناها معاً ( النظرية البنيوية ) التي تبحث في نظام النص من جهة النحو ومن جهة الصرف مثلاً أو الصوت أو من جهة الدلالة الخ . . . . أنشأنا نظرية معاً لكننا لا نستغني على الإطلاق عن الاستقراء ثم التحليل والاستنتاج، عندما أحلل هذا النص الأدبي الذي أدرسه ماذا أصنع ؟
ألجأ إلى واحد من هذه فأستند عليها في صياغة معايير التحليل للنص الأدبي الذي أدرسه أستند إلى البنيوية ومعطياتها .
فأقول : عندما أحلل نصاً أدبياً إنني أحلل هذا النص بالنظر إلى نظامه التركيبي بالنظر إلى نظامه الصوتي بالنظر إلى نظامه الدلالي عندما أضع هذه المعايير التي تستند إلى علم من العلوم إلى حقل نقدي ما كالبنيوية والتفكيكية والبلاغيين الجدد والمنهج النفسي والنقد الاجتماعي الخ . . . .
فإنني أستقي منها معايير التحليل وأدفع بحثي دفعاً إليها فاتجاهي في الدراسة بنيوي لكن مناهجي في البحث هي الاستقراء ثم التحليل ثم الاستنتاج .
اتجاهي في الدراسة تفكيكي أو نفسي أي أنا أدفع بحثي في الميدان النفسي إلى الاتجاه الأسلوبي ولكن مناهجي في البحث هي الاستقراء ثم التحليل ثم الاستنتاج .
فعندما أقول المنهج البنيوي فهذا شيء من التجوز هو الاتجاه البنيوي في الدراسة تقبل المنهج البنيوي على أنه طريقة في الدراسة ، طريقة في التصنيف وليست منهجاً بحثياً قائماً والدليل على ذلك أنني يستحيل أن أطبق المنهج البنيوي على نص أدبي ويأتي زيد من الناس ليطبق المنهج البنيوي على النص ذاته فيخرج بالنتائج ذاتها فيختلف من باحث إلى باحث يختلف بحسب قدرات الباحث في طريقته في تطبيق البنيوية على النص الأدبي ذاته لذلك تختلف معطيات الدراسة ، عند ذلك أقول إن البنيوية اتجاه في الدراسة تجوزاً أقبل أن تسمى منهجاً لكنها ليست منهج بحث حقيقي .
الآن ما ميدان الدراسات التي يمكن أن يدرسوها في الدراسات العليا ؟ ماذا تدرسون في الدراسات العليا ؟ تتخرجون بمعدلات عالية تبتسمون للحياة تذهبون إلى آبائكم وأمهاتكم فيفرحون بكم كثيراً ثم تأتون إلى الجامعة تقررون أن تسجلوا دراسات عليا في الجامعة والابتسامة تعلو وجوهكم ثم تختارون واحداً من الميادين :
1- النقد والبلاغة .
2- الدراسات الأدبية .
3- الدراسات اللغوية
إحدى هذه الميادين الثلاثة فإذا اخترتم واحداً منها ينبغي أن تكملوا فيه السنة الأولى من الماجستير ثم رسالة الماجستير ثم الدكتوراه وبعد ذلك تفرحون بعد المناقشة .
1- النقد و البلاغة : ماذا تدرسون فيه ؟ كل ما له صلة بالنقد قديماً وحديثاً وكل ما له علاقة بالبلاغة ، والمدارس النقدية ، المذاهب النقدية وهكذا .
2- الدراسات الأدبية ماذا تدرسون فيها ؟ الأدب في العصور المختلفة في الجاهلية في صدر الإسلام في العصر الأموي في العصر العباسي في المملوكي في الحديث ، كل ذلك تدرسون تاريخ الأدب و تجرون دراسات لنصوص أدبية ، وتدرسون الأدب عند غير العرب كالأدب و النقد في الغرب ، وتدرسون الأدب المقارن ، وكل ما يتصل بذلك .
3- أما في الدراسات اللغوية فتدرسون : فقه اللغة ، علم اللغة ، اللسانيات ، النحو والتصرف ، المعاجم ، العروض ، كل هذا تدرسونه في الدراسات اللغوية .
والجيد للطالب بعد السنة الرابعة أن يقرر في أي ميدان سيتخصص وإذا قرر جيداً فإنه سوف يفلح سوف يحسن في إنجازه للأبحاث المطلوبة منه في الميدان الذي تخصص فيه فإذا لم يحسن الاختيار فاختار الأشهر شهرة وسمعة أولاً فلان اختاره أو أو كل هذه الأشياء تذهب ولا يبقى عند الإنسان إلا العلم الحقيقي .
- نحن الآن سنختار من كل ما تقدم شيئاً واحداً هو دراسة النص الأدبي ونتبين كيف يدرس النص الأدبي في بحث ماجستير أو دكتوراه ( ) فالبسيط هو كما تجدون في كتب المراحل الإعدادية و الثانوية : مناسبة النص ، شرح المفردات ، الأفكار الرئيسية ، شرح النص اختيار بعض الأشياء التي لها علاقة و الصور والاستعارات والبحر الشعري لهذا النص هذا من أبسط أنواع أو مراحل دراسة النص الأدبي .
لكن الباحث في الدراسات العليا لابد أن يتزود أكثر بطرائق أكثر احترافية وأكثر عمقاً في تناوله للنص الأدبي ، وما أذكره هنا من مراحل دراسة النص الأدبي يمكن للباحث أن يتلاعب به بطريقة أنه يستبعد منه ما لا علاقة وثيقة له ببحثه فأحياناً بعض الباحثين لا تعنيهم على الإطلاق مناسبة النص الأدبي أو لا يعنيهم على الإطلاق توثيق هذا النص الأدبي فيستبعدونه من مراحل دراسة النص الأدبي .
الآن عندي نص هذا النص مثلاً : هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم . . . .
- قصيدة عنترة المشهورة عندي هذا النص و أريد أن أجري عليه دراسة أدبية احترافية ماذا سأفعل ؟ أولاً :
1- ضبط النص :
ينبغي أن أعرف أن النص الذي أمامي إنما هو النص الذي قاله صاحبه على هيئته بحركاته وسكناته من أوله إلى آخره .
2- توثيق النص :
ما أدراني أن هذه القصيدة لعنترة ما أدراني أن أبياتاً في هذه القصيدة قد دخلت عليها من قصيدة أخرى فلا بد لي من أن أوثق النص والتوثيق منهج أو طريقة ينبغي أن نعرفها وهي :
آ- أن أعتمد الكتب الأعلى في الرواية .
ب- الرواية عند أعلام الرواة .
ح- الكتب الأصلية في جمع النصوص الأدبية، لا أذهب إلى الكتب مثلاً التي طبعت طباعة سيئة ولم يعتن بتحقيقها الخ . . . .
فهذا المنهج متكامل في توثيق النصوص وله طريقة معروفة ، بعد الضبط والتوثيق ماذا أصنع ؟
3- فهم النص وفق دلالته الأولية:
و لفهم النص لا بد لي أن أشرح مفرداته أن أحل مشكلة نحوية في هذا النص توجه دلالة أحد الأبيات أو مجموعة من الأبيات في هذا النص .
4- بيئة النص:
ويشمل:
- قائله.
- المكان .
-الزمان.
- المناسبة.
- أخبار أدبية.
- أخبار تاريخية متعلقة بالنص .
كل هذا كما تجدون ليس له علاقة بالدراسة الأدبية الحقيقية للنص إنما هو عمليات خارجية مكملة متهيئة للباحث من أجل أن يجد دراسة أدبية جيدة مبنية على أصول متينة بعد أن أصبح كل هذا نقول : الآن سنبدأ بالدراسة الأدبية لهذا النص .
ماذا سيصنع في دراسته الأدبية ؟
5- يعتمد اتجاهاً تحليلياً لهذا النص:
فعليٌ مثلاً من أنصار البنيوية ، يقول بعد أن تهيئ لي هذا الذي بين يدي فأنا سأختار الاتجاه البنيوي في دراسة هذا النص الأدبي ، نقول له لك ما تحب . فيقول : أنا سأختار المستوى التركيبي لهذا النص ، سوف أدرس المستوى الصوتي لهذا النص ، سوف أدرس المستوى الدلالي و المصاحبات اللغوية .
والمعجم الدلالي والمعجم البيئي في هذا النص ، نقول له لك ما تحب .
طالب آخر يقول :
أنا ضد البنيوية أنا ثائر على البنيوية نقول له لك ما تحب .
ما الاتجاه النقدي الذي ستتبعه ؟
يقول لي أنا أحب علم النفس و سأتبع المنهج النفسي فنقول له :
لك ما تحب ، فيتابع النص من وجهة نظر علم النفس فيعرف نفس قائله كيف تأرجحت فيه بين الثقة والصعب ، مثلاً الذي يحمل إشارات ودلالات نفسية هذا الذي يُعنى به هذا الطالب ، يعني لا بد بعد أن ينجز ذلك من اعتماد معايير للدراسة الأدبية .
ويمكن للباحث أن يطرق النص من أكثر من اتجاه نقدي أكثر من زاوية نقدية .
فباحث يطرقه من جهة التناص يقول :
أنا أريد أن أبحث عن التناص في هذا النص الأدبي نقول له لك ما تحب .
و من خلال هذا أنتم تجدون أن أهم عناصر الدراسة الأدبية هو اختيار الاتجاه النقدي الذي ندرس من خلاله الأدب .
التناص : هو المشاركة في النص الأدبي والمشاركة لها أبعاد كثيرة كالسرقات:
شاعر يقول شيئاً فيأتي شاعر آخر فيتكئ على هذا الشاعر إما يسرق النص بحرفيته أو يأخذ منه أشياء ويبني عليها الخ . . . . .
إذاً هنا ماذا نقول ؟
اعتماد و معايير وهذه المعايير تتصف بماذا ؟
باتجاه نقدي في الدراسة ، اختيار الاتجاه النقدي
ماذا اخترت؟
اتجاهاً نقدياً فإنني سأدفع بكل ما سأقوله حول هذا النص إلى ميدان هذا الاتجاه أستفيد مما قاله أعلام هذا الاتجاه وأستفيد من طرائقهم في التحليل أطلع على إنتاجهم ثم أجعل خلفية لي وأنا أدرس هذا النص الأدبي .
- في كتب الثانوية والمراحل الأولى لا يصلون إلى هذا يتوقفون عند الرابع ولا يصلون إلى هذا ، من فهم النص معرفة صورة وشرحه ومفرداته و أفكاره وأخليته و بلاغته كل ما فيه من بلاغة من شواهد على البلاغة كل هذا يساعد في فهم النص .
لكن الدراسة الأدبية الحقيقية أين تكون في اعتماد المعايير وهي التي توصلني إلى نتائج في المنهج الاستنتاجي أيضاً .
6- مقارنة النص بغيره من النصوص:
لكن بشرط ما هو ( في ضوء الاتجاه النقدي الذي اخترته )
كل مقارنة على غير هذا الأساس هي مقارنة عبثية ، لكن تكون جيدة وتسهم في تحقيق نتائج البحث إذا كانت في ضوء الاتجاه النقدي الذي اخترته .
7- أقارن النص بغيره من نصوص الامم الأخرى :
إذا كان ثمة تشابه فيما بينهما في وجه من الوجوه أيضاً ( في ضوء الاتجاه النقدي الذي اخترته ) وإذا كان على غير هذا فلا قيمة لهذه المقارنة – بعد ذلك ماذا أفعل ؟
8- النتائج أو القرارات الإستراتيجية أو الأحكام الكلية:
والتي سوف أطلقها على هذا النص الأدبي عند ذلك أقول أنني قد أنهيت مهمتي على أحسن وجه .
وأعود لأذكر بأول الحديث عن خطوات الدراسة أن الباحث يتلاعب بهذه المراحل فيحذف بعضها ، أحياناً بعض الباحثين ليس بحاجة إلى هذه المرحلة لا قيمة لها عندهم فينفيها من بحثه كليةً بأنها لا علاقة لها أو ليس هو معنياً بالنتائج التي يمكن أن يصل إليها من خلال المقارنة ، فكل بحث مختار يختاره الباحث يحكم كل نص أدبي و طريقة دراسته بحكمها
تقسيم الرسائل الجامعية (الماجستير – الدكتوراه)
قلنا بأن الباحث لا بُدّ له من أن يمر بمناهج البحث الآتية:
1- المنهج الاستقرائي.
2- المنهج التحليلي.
3- المنهج الاستنباطي أو الاستنتاجي.
حتى يكون بحثه مستوياً.
وقلنا: إن الباحث في التحليل سوف يلجأ إلى النظريات النقدية المختلفة التي تتناول النصوص إذا كان بحثه دراسةً أدبية عن نصٍ من النصوص.
فأنا في التحليل لا بد لي من أن أضع مجموعة من المعايير أو المذاهب النقدية التي أستند إليها في مجال التحليل، فإذا كنت من أنصار البِنيويّة فإنني سوف ألجأ إلى البِنيوية من أجل أن أستقي منها معايير لتحليل نص أدبي أدرسه أو ظاهرة ما أدرسها، وإذا كنت من أنصار التفكيكية فإنني سوف ألجأ إليها، وإذا كنت من أنصار النقد القديم فإنني سوف ألجأ إلى نظريات النقد القديم من أجل أن أحلل نصاً من النصوص.
في الدورة الماضية من الامتحان جاء السؤال على النحو الآتي:
اخترتَ موضوع التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي بحثاً لنيل الماجستير، والمطلوب:
اكتب مخططاً افتراضياً لهذا الموضوع، واقترح معايير افتراضية لتحليل مادتك العلمية التي جمعتها لها.
هذا نص سؤال في امتحان، ولم يُجِبْ عليه أكثر من عشر طلاب فقط، ولا أدري لِمَ لم يجيبوا! مع أنّ ثلث المحاضرات تذهب من أجل هذه القضية.
المطلوب هنا شيئان:
1- مخطط الموضوع.
2- معايير افتراضية لتحليل المادة العلمية المجموعة.
1- مخطط الموضوع:
لهذا الموضوع مخطط، وهذا المخطط ينتمي إلى هذا العنوان، فينبغي أن أكتب المخطط بالنظر إلى هذا العنوان.
ما المطلوب مني هنا؟
التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
من يقترح مخططاً لهذا الموضوع؟
اقتراح أحد الطلاب:
- تعريف الأسطورة.
- معنى التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
- جمع الشعر الذي يتحدث عن الأسطورة في الجاهلية.
- الآراء النقدية التي وردت عن التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
- الموضوعات التي كَثُرَ فيها استخدام الأسطورة في الشعر الجاهلي.
- أمثلة للتفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
- الآراء النقدية التي وردت عن الشعر الجاهلي.
الدكتور يقول:
لو جاء مثل هذا الجواب على ورقة الإجابة فإنه سوف ينال درجة الصفر.
وفي الدورة الامتحانية الماضية وضعت 15 درجة فقط للسؤال حرصاً على أن ينجح الطلاب لكن ربما لو جاء مثل هذا السؤال في امتحان هذه الدورة ستكون العلامة أكثر بكثير.
الذي أطلبه من الطالب للإجابة عن مثل هذا السؤال هو أن يكون منطقياً، وأن يبدي كثيراً من معالجته المنطقية للمسألة التي تَعْرِضُ له، هذا هو الهدف من مثل هذا السؤال.
السؤال ماذا يقول؟ التفسير الأسطوري في الشعر الجاهلي.
الدائرة الأولى ما هي؟
الشعر الجاهلي
الدائرة الثانية: ما هي؟
التفسير الأسطوري
هذا هو المطلوب.
من فسّر الشعر الجاهلي تفسيراً أسطورياً؟
هل هم الجاهليون؟
هل هم علماء الإسلام القدماء؟.... الخ.
الذين فسّروا الشعر الجاهلي تفسيراً أسطورياً هم الدارسون المحدَثون.
إذاً ما موضوع بحثي؟
هو التركيز على ما صَنَعَهُ الدارسون المحدَثون من تفسير أسطوري للشعر الجاهلي.
مقولتي من هذا البحث هي: إظهار جهود الدارسين المحدَثين في تفسيرهم الأسطوري للشعر الجاهلي.
ما مادتي العلمية لهذا البحث؟
الشعر الجاهلي ليس هو مادتي العلمية لهذا البحث.
مادتي العلمية هي: أبحاث هؤلاء الدارسين مما هو تفسير أسطوري للشعر الجاهلي.
إذاً عرفت مقولتي التي سأسعى لها من خلال هذا البحث.
وعرفت أيضاً أنّ مادتي العلمية ليس الشعر الجاهلي، وإنما أبحاث هؤلاء الدارسين.
سؤال:
أبحاث هؤلاء الدارسين، هل المقصود كل أبحاث هؤلاء الدارسين؟
لا، بل أبحاث هؤلاء الدارسين مما هو تفسير أسطوري للشعر الجاهلي.
وأنا أجمع المادة العلمية لهذا البحث، ماذا سأصنع؟
سوف أضعها في بطاقات، وهذه البطاقات ينبغي أن تكون معنونةً بعنوان للبطاقة وذِكْرٍ للمصدر الذي عُدتُ إليه وأخذتُ منه المعلومة التي تتعلق بهذا البحث، ثم المادة المستشهد بها، ثم تعليقي (تعليق الباحث على هذه المادة العلمية التي أخذها).
فهذا هو المطلوب وأنا أجمع المادة العلمية.
العنوان: أسطورة فراق طائر الحمام
المصدر: شوقي ضيف / الشعر الجاهلي / ص322
المادة العلمية التي يُستشهد بها: (فأنا هنا أجمع وأنقل مادة علمية من المصدر تحت هذا العنوان) وقد رأى الباحثون أن الأسطورة العربية التي رسخت في الأذهان أنّ الحمام كان يعيش زوجَين اثنين وأنّ الدهر قد فرّق بينهما، وأنّ كل واحدٍ منهما يبكي على صاحبه.
تعليقي: هذا الرأي وردَ عند (طه حسين) و (العقّاد).... انظر كذا...
وهناك اتفاق عليه (لم يخالف أحد هذا الرأي).
هذا النموذج لبطاقة
طائر الحمام: إنّ الحمام كان يعيش زوجَين زوجَيْن، وأنّ الدهر قد فرّق بينهما، هكذا تقول الأسطورة، وأنّ كل واحدٍ منهما ينوح على صاحبه، فعندما نسمع هديل الحمام فهذا بكاءٌ من الذكر على الأنثى، ومن الأنثى على الذكر.
بعد الاستشهاد بالمادة العلمية من هذا المصدر، لو وُجِدَ عندي تعليق على هذا النص، فلا ينبغي أن أتركه إلى ما بعد بل يمكنني أن أجعله مباشرةً بعد المادة العلمية المستشهدَ بها كما هو في المثال (البطاقة الافتراضية).
وعندما تتجمع عندي البطاقات سوف أشرع في كتاب البحث.
الآن ما مطلوب مني؟
المطلوب: المخطط الافتراضي لهذا الموضوع.
عرفتُ مقولتي، عرفتُ مادتي العلمية، المطلوب مني: أن أبحث عن مخطط، والمخطط نوعان:
1- مخطط أوّلي للبحث:
أضعه في بداية البحث، وهذا المخطط لِمَ هو أوّلي؟ لأنني لم أطّلع على المادة العلمية جميعها قبل أن أشرع في البحث.
أضع مخططاً، هذا المخطط هو أقرب للصواب: أبحث وأحلل وأستنتج، ثُمّ أعدِّل تعديلات طفيفة في هذا المخطط ويصبح هذا المخطط نهائياً.
2- مخطط نهائي للبحث:
المخطط قبل مرحلة الصياغة (صياغة الرسالة).
قبل أن أكتب المخطط عليّ أن أعرف طريقة تقسيم الرسائل الجامعية:
أصغر وحدة في الرسالة هي الكلمة.
مجموع الكلمات يشكل جملة.
مجموع الجمل يشكل فِقْرة.
مجموع فقرات يشكل مَبْحَثَاً: له عنوان واضح.
مجموع المباحث يشكل فصلاً: له كيان مستقل (وحدة من الوحدات) يرتبط بما قبله وما بعده، لكنّه مادة علمية شبه مستقلة.
مجموع الفصول يشكل باباً: له عنوان وكيان مستقل.
مجموع الأبواب يشكل قِسماً: له كيان مستقل.
مجموع الأقسام يشكل الرسالة.
يمكن للباحث أن يستغني عن الأقسام وعن الأبواب، ويبدأ مباشرةً بالفصول:
إذا وَجَدَ أنّ مادته العلمية لا تحتمل أن تكون أبواباً وأقساماً، فيمكن لرسالة من الرسائل أن تكون من أربعة فصول، ويمكن أن تكون في بابين: كل باب في ثلاثة فصول، وهكذا...
إذاً أصغر الوحدات في الرسالة: الكلمة، ثم الجملة، ثم الفقرة، ثم المبحث، بعد ذلك يبدأ الفصل، ويبدأ بعده الباب، ثم القسم: هذه هي الرسالة كاملة، وهذا هو التقسيم الذي يعرفه كل الباحثين، ينبغي أن يكون هذا في الذهن.
إذا طلبتُ في الامتحان مثل هذا السؤال، فالمطلوب من الطالب أن يحدد أنه قَسَمَ الرسالة إلى فصول مثلاً، أو قَسَمَ الرسالة إلى أقسام في كل قسم بابان أو أكثر، وفي كل باب فصلان أو أكثر، في كل فصل مباحث.
فإذا جاءني في الامتحان في ورقة الإجابة عناوين منثورة كالاقتراح السابق عند ذلك سينال صاحبها درجة الصفر.
لِمَ؟
لأنه لا يعرف تقسيم الرسالة الجامعية.
الآن نأتي إلى:
التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي:
هذا البحث يمكن أن يكون أقساماً – يمكن أن يكون أبواباً- يمكن أن يكون فصولاً.
إذا وجدتُ أنّ المادة العلمية قليلة فإنني أستغني عن الأقسام – أستغني عن الأبواب، أبدأ مباشرةً بالفصول.
أقسِمُ الرسالة مثلاً إلى:
فصل أول.
فصل ثانٍ.
فصل ثالث.
يسبق ذلك المقدّمة ويتلو ذلك النتائج، ولا بُد لي من عناوين لهذه الفصول.
في مثل هذا السؤال في الامتحان، المطلوب عناوين الفصول.
فيكتب الطالب على النحو الآتي:
1- المقدمة.
2- الفصل الأول: عنوان.
3- الفصل الثاني: عنوان.
4- الفصل الثالث: عنوان.
5- النتائج:
ينبغي أن يكون هذا واضحاً وضوحاً تاماً في أذهان الجميع.
العناوين التي سوف أختارها على هذا الهيكل هي التي تعطي الدرجات، لكن إذا لم يكتب شيئاً على الإطلاق فلن ينال شيئاً، فهذا التقسيم يساعد ولو كتب أشياء خاطئة (له جزء من الدرجة) وتذكّروا أني ذكرتُ في السؤال كلمة (افتراضياً).
ما معنى كلمة (افتراضياً)؟
أنني لن أحاسب الطالبة محاسبة دقيقة على صحة ما ورد هنا إلا بقدر خروجه كليّاً عن الموضوع.
فإذا كتب لي مثلاً: عناوين لا علاقة لها بالموضوع، عندئذٍ لا ينال الدرجة.
افتراضياً:
مثلاً:
الفصل الأول:
نظريات في تفسير الشعر الجاهلي.
أو تفسيرات الشعر الجاهلي.
أو مذاهب النقّاد في تفسير الشعر الجاهلي.
(أريد أن أستعرضها بإيجاز، من أجل أن أعرف مكانة التفسير الأسطوري بين هذه المذاهب، وتذكّروا أن هذا الأمر افتراضي).
الفصل الثاني: اتجاهات النقّاد المحدَثين في التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي (إلى أين ذهبوا في هذا التفسير).
الفصل الثالث: مصادر النقّاد في التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي (من أين استقوا مادتهم التي استندوا إليها في إسقاطها على الشعر الجاهلي، هل الأسطورة اليونانية القديمة؟ هل الأسطورة الغربية الحديثة...؟ لا بُدّ أن لديهم مجموعة من المصادر وهم يفسّرون الشعر الجاهلي تفسيراً أسطورياً).
وأكتب الفصل الرابع والخامس... وهكذا.
إذا زادت الرسالة عن خمسة فصول يُستحسن أن أنطلق إلى تقسيمها إلى أبواب.
ماذا أكتب في مقدمة البحث أو الرسالة؟
سؤال الدكتور: ماذا يوجد عادةً في المقدمة؟
طالب يجيب: تمهيداً عن الموضوع.
الدكتور: لا، ليس تمهيداً للموضوع، التمهيد شيء والمقدمة شيء آخر، التمهيد يتلو المقدمة وليس هو المقدمة على الإطلاق.
في المقدمة ما يلي:
1- عنوان البحث:
يتضمن مقولة البحث: هذا بحث في التفسير الأسطوري في تفسيرات النقّاد المحدَثين الأسطورية للشعر الجاهلي، وينبغي أن يكون هذا واضحاً تماماً.
2- مشكلة البحث:
البحث يطرح إشكالية ما وهو يريد أن يدرسها، فينبغي أن تكون هذه الإشكالية واضحة ومن الممكن أن نسميه أيضاً: أسباب اختيار البحث.
3- أهداف البحث وأهميته:
(إلى أي مدىً هذا البحث مهم، نبغي أن يكون هذا واضحاً).
4- الدراسات السابقة التي تناولت موضوع البحث:
(وهنا أشير إليها بإيجاز وإلى الثغرات التي وردت فيها، والتي عليَّ أن أتلافاها في بحثي) فأقول مثلاً: وقد سبقني إلى هذا البحث مجموعة من الدارسين وهم: محمد عبد المطلب في بحثه التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي: سَبقني إلى هذا، وبحثه كذا وكذا (أقوم بتقويم بحثه: ما له وما عليه).
5- مصادر البحث (لا نذكر أسماء مؤلّفات):
يعني: في البحث عن التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي: ما ملامح مصادر مادتك؟ هل هي الشعر الجاهلي؟ هل هي دراسات النقّاد القدماء؟.... الخ.
تقول هنا: ومصادر هذا البحث إنما هي دراسات النقّاد المحدَثين الذين تناولوا الشعر الجاهلي في التفسير الأسطوري (ملامح المكتبة التي ستعود إليها في أثناء البحث / مصادر البحث).
6- مخطط الرسالة: ومخطط الرسالة هنا إجمالي:
يعني تقول: وقد قسمتُ هذا البحثَ إلى خمسةِ فصول: الفصل الأوّل يتناول كذا، والفصل الثاني يتناول كذا، والفصل الثالث يتناول كذا، والفصل الرابع يتناول كذا، والفصل الخامس يتناول كذا....
وقد رأيت أنّ من ضرورات البحث – لضخامة المادة العلمية لهذا البحث – أن أقسِّمَه في أبحاث، وأن أجعل في الباب الأول ثلاثة فصول: الفصل الأول يتحدث عن كذا، والفصل الثاني يتحدّث عن كذا، والفصل الثالث يتناول كذا.
فمخطط الرسالة هنا إجمالي ولا أضعه بشكلٍ مفصّل كما هو في الفهارس.
7- صعوبات واجهَتْ الباحث مثل: ندرة المصادر أو أنّ بعض المصادر مخطوطة، وأن الباحث لم يتمكن من الحصول على هذه المخطوطات لأنها في إسبانيا، أو في تركيا، أو في أي مكان من العالم، فأي صعوبة يمكن أن تعترض الباحث عليه أن يذكرها هنا في مقدمة البحث.
8- المنهج الذي سيتّبعه الباحث في هذا البحث، والمنهج يتناول ما يلي:
- تحديد البحث أو البحث العام (استقراء تام، أو ناقص، أو موسَّع).
- ثم تحديد الاتجاه النقدي المستخدَم في التحليل.
ويجب أن يكون لكل باب مقدِّمة وخاتمة، كما أنّ هناك نتائج عامة للرسالة تصدر في نهايتها.
ملاحظة هامة:
لو جاءكم في الامتحان: اكتب مقدّمة مختصرة لبحث بعنوان: صورة المرأة في شعر صدر الإسلام، تكتبون صفحة في الامتحان حسب الموضوع الذي سيأتي.
ينبغي أن يكون الكلام مؤتلفاً بعضه مع بعض.
مثلاً: موضوع هذه الرسالة دراسة شعر أبي الطيب المتنبي، أو استعراض آراء النقّاد القدماء والمحدثين في شعر أبي الطيب المتنبي.
فيكون عنوان رسالتي هو المتنبي بين ناقديه في القديم والحديث.
ماذا أكتب في بداية المقدمة؟
هذه إشكالية.¬(موضوع هذا البحث هو استعراض آراء النقّاد القدماء والمحدَثين في شعر أبي الطيب المتنبي) ثم أذكر مشكلة البحث (وهو يبحث في إشكالية قديمة حديثة: إلى أي مدى اتفق النقّاد المحدَثون مع النقّاد القدماء في قراءة شعر المتنبي
إشكالية).¬إلى أي مدى استطاع النقّاد القدماء سَبر أغوار شعر أبي طيب المتنبي
وهكذا أفترض إشكاليات أريد أن أعالجها ضمن هذا البحث.
الإشكالية هي أسئلة جَدَلية تحتاج من الباحث إلى جهد كبير حتى يجيب عنها، وليست أسئلة: (مَن نَقَدَ المتنبي؟) فهذا ليس سؤالاً يُطرح في الإشكالية.
هناك أسئلة تحتاج مني إلى جهدٍ كبير من أجل أن أجد الإجابة عنها، وتكون الرسالة كاملةً هي إجابات عن هذه الإشكاليات التي تَرد في المقدمة.
كل عنصر يغيب من هذه العناصر في المقدمة، يعني أنّ الباحث قد أهمله في أثناء الدراسة.
كما يجب أن يبتعد الباحث ابتعاداً كاملاً عن كل كلامٍ إنشائي في المقدمة.
ما المقصود بالكلام الإنشائي؟
الأدعية – الإعجاب والانبهار ببعض الباحثين – المدح الزائد بأحد المصادر.... الخ.
مثلاً: أتوجّه بالشكر إلى من طبع هذه الرسالة، فقد أعطاني من جهده ووقته الشيء الكثير كما أتوجه بالشكر إلى أمي التي كانت ساهرة قرب غرفتي في البيت تقدّم لي الشاي وكذا وكذا.... كما أشكر زوجتي، وأشكر أختي، وابنة عمي، وابنة جيراني التي كانت تلوّح لي.... الخ.
هذا كلام لا معنى له في الرسائل الجامعية، وبعض الطلاب يفعل ذلك في الماجستير وفي الدكتوراه.
فالكلام العاطفي والكلام الإنشائي يُضعف البحث، وهذا البحث هو بحث أكاديمي، وهو إضافة للمعرفة الإنسانية، فإذا كان كذلك فينبغي أن يكون خالصاً لذلك، وألا يشوبه شيء من العواطف والانفعالات السريعة التي سرعان ما تزول.
ويجب أن تخلو المقدمة من إهداء، فإذا ورد فيها الإهداء فهي ناقصة أو يشوبها خطأ:
يقول مثلاً: أهدي هذا البحث إلى زوجتي وأولادي العشرين.
لا إهداء في الرسائل الجامعية كلها، عندما أولّف رسالة أكاديمية تُقدَّم إلى هيئةٍ علمية من أجل أن تحكِّمها يكون الإهداء فيها مرفوض، أما الكتاب الذي أطبعه في السوق فهذا له شأنٌ آخر.
يُضاف إلى الرسالة أيضاً تَعَهّدٌ من الباحث بأنه لم يسر (يٌقسِم فيه أنّه لم يسرق)، وما أكثر السارقين اليوم ليس من الطلاب بل من الأساتذة، فبعض الأساتذة لا يتورّع عن أن يذهب إلى الإنترنت ويبحث في موضوعٍ ما، يظنّ أنّ أحداً لن يكشفه فينسخ هذا الذي سرقه ويغيّر فيه تغييرات طفيفة ثم يضع عليه عناوين ويقدّمه على أنه جهدٌ خالصٌ منه وهذا الجهد هو جهد مشوّه، يضيف كائناً مزيّفاً للمعرفة سرعان ما ينكشف ويُرمى في المزابل ولا يُنظر إليه باحترام على الإطلاق.
كيف يُكشف؟
هو جهد الآخرين، وما أسهل كشفه.
بدء الرسالة والمقدّمات بالتحميد لا بأسَ به، لكن على أن لا يطول.
مثلاً: أبدأ رسالتي هذه حامداً الله تعالى الذي وفّقني... ألخ
ثمّ أصلي وأسلّم وأبارك على سيدنا محمد النبي الأمي خاتم الأنبياء وإمام المرسلين... الخ.
فالرسالة ليست خطبة جمعة، لك أن تحمد الله وأن تصلي على رسول الله كما تشاء، ومن لم يشأ ذلك فهذا شأنه، لكن أن يطول ذلك: نصف صفحة أو صفحة، فهذا شيء ليس مطلوباً في الرسالة الجامعية.
ما أجمل أن آخذ من فلان وأن أنسب إليه: أقول مثلاً (قد استفدتُ في هذا البحث من ما كتبه الباحث الأستاذ فلان الفلاني...) فهذه أمانة علمية مطلوبة في الرسائل الجامعية.
تقويم المصدر:
ما المقصود بتقويم المصدر؟
أنني لا أنقل، أولا أستقي، أو لا أجمع مادة علمية من أي كتاب يُعرَض أمامي، لا بُدّ لي من معايير أستند إليها في تقويم المصدر الذي أعود إليه في رسالة الماجستير والدكتوراه أو حتى في الكتب التي أولّفها من أجل الجمهور.
فإذاً عندي مصدر (كتاب)، ينبغي أن أعرف كيف أقوّم هذا المصدر؟
كيف نقوِّم المصدر؟
لا بُدّ من ملاحظة ما يلي:
1- المؤلف: مَن هو.
2- دار النشر: من هي؟
3- التوثيق لهذا المصدر.
4- ملامح إتقان التأليف.
5- إذا كان الكتاب محقّقاً: معرفة المحقِّق.
مثلاً: (الشعر والشعراء، لابن قتيبة "عبد الله بن مسلم الدِّيْنَوَرِي ت 276 هـ"
تحقيق: مفيد قميحة.
دار الكتب العلمية بيروت 1989 ط1) ×
هل أعود إلى هذا الكتاب؟
لا، على الإطلاق، لا أعود إليه ولا أنقل منه شيئاً، فإذا نقلتُ فإنني استفزّ المناقشين الذين سيناقشونني في الرسالة، لِمَ؟
لأن مفيد قميحة سارق محتال وربما ليس له وجود في الحقيقة، وإذا كان كذلك فإنني لا آمنه على أن يكون قد حرّف وصحّف وهو يَعْرِضُ لي كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة.
أما كتاب: (الشعر والشعراء لابن قتيبة
تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون
þدار المدني – جدة).
هذا الكتاب أعود إليه، لِمَ؟
لأن أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون: اشتهروا بين الباحثين بأنهما محققان بارعان جيّدان متقنان لعملهما.
(ديوان امرئ القيس: دار كرمَ للطباعة – دمشق.... ) ×
لا أعود إليه على الإطلاق ولا يعنيني.
þ(ديوان امرئ القيس: جمع وتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم)
هذا محقق جيد.
إذاً لا بُدّ لي في تقويم المصدر من أن أعرف أسماء المحققين الجيدين وأسماء المؤلفين الجيدين أيضاً، فهناك أسماء لامعة متقنة لعملها أثق بها، وهناك أسماء سرعان ما ينكشف تزييفها وأعرف أنه عليّ ألا أثق بها على الإطلاق، وأن أنظر بعين السخط على عملها وعلى إنتاجها، وفي كل حقلٍ علمي من الحقول المتصلة باللغة والأدب هناك أعلام:
ففي النحو مثلاً هناك أعلام مشهورون، وهؤلاء ما يذكرونه في مصادر كتبهم طريق جيدة لكي أكتشف المصادر التي ينبغي أن أعود إليها في الرسالة.
فأعود مثلاً إلى كتاب نحوَ وعيٍّ لغويٍّ لـ د. مازن المبارك.
والدكتور مازن المبارك: مشهور بإتقانه / بعلمه / بأنه دقيق في اختيار مصادره، هو مؤلّف جيّد والمصادر التي يذكرها في نهاية بحثه مصادر في الغالب هي مصادر جيدة.
6- يُضاف إلى ذلك حديث العلماء عن هذا الكتاب:
فمثلاً: كتاب من الكتب أعرف كيف أقوّمه، أسأل المختصين في هذا الحقل المعرفي ممن له الثقة والعدالة وأنه ثَبت في هذه الأمور: أسألُه فيعطيني الجواب.
موهبة الباحث
الباحث الموهوب:
نعرف أن الباحث موهوب من:
أولا:اختيار الموضوع المبتكر:
الباحث المبدع لا يخشى الموضوع الخطير، المهم، ولا يهمُّه طول فترة البحث، واختيار الموضوع المبتكر ينبئ أنَ الباحث موهوب إذَ لا يلتفتُ إلى الجهدِ والوقت الذي سينفقهُ من أجل إنجاز الموضوع.
والباحث المبدع الموهوب لا يختارُ موضوعاً مكرراً قُتِلَ بحثاً والإضافات فيه محدودةٌ جداً.
ثانياً: ابتكار خطّة جيّدة للموضوع:
كلّ موضوع يفرضُ خطة بحث خاصة لهُ. تأخذ مثالاً موضوع [الصورة الفنيَة في شعر الأعشى؟ تتضمّن خطّة هذا الموضوع:
مضمون الصورة
شكل الصورة
عناصر الصورة
إنّ الباحث الموهوب المبدع يبتكر لبحثه خطةً محكمة، وتأتي الخطة المحكمة الجيدة بعد أنّ يكون الباحث قد
1- وضع أهدافاً صحيحة للبحث
2- وضع شكلية البحث بشكل دقيق.
3- عرف مسوَّغات البحث (أسباب اختيار موضوعه)
وأسباب البحث تختلفُ عن أهدافه فمن أسباب البحث: (غرابة الصورة –صعوبة البحث...) ومِن الأهداف (توضيح الصورة –بيانُ مدى أثر البيئة...) ويجب أنْ يكونَ قابلاً للقياس- وهذا يتحققُ في موضوع الصورة الفنية في شعر الأعشى فيمكن أنْ نبرهِنَ بشواهد كثيرة من شعر الأعشى.
أمّا لو أخذنا موضوعَ (تحديد جمال الشعر العربي) فهذا موضوع غير قابل للقياس.
4- حينَ يضعُ منهجاً علمياً صارماً.
5- إذا وضع خطة شاملة ودقيقة تتناول كلّ ما يتّصل بالموضوع.
ثالثاً: استقلال شخصية الباحث:
بعضُ الطّلاب يكونون نُسخاً لأساتذتهم أو مشرفيهم، وهذا أمرٌ غيرُ جيَّد على الإطلاق، فالباحث الموهوب يتمتّع بشخصية مستقلة، يبدعُ في الأفكار، ويناقش الآراء، يقبلُ منها ما يقبله العقل الحرّ.
لأنّ التقليد الأعمى يجعلُ مِنَ الباحثِ شخصاً غيرَ موثوقٍ بهِ ولا قيمةَ لإنتاجه العلمي في البحثِ الذي ينجِزُه ولا في الأبحاث التي سينتجها في مستقبل حياته العلميّة.
رابعاً: أن يتمتّعَ الباحثْ بالإرادية القويّة:
ويقصدُ بها أنْ يكونَ عندَه جلدٌ ومصابرة –لا يستسلمُ بسهولة للنتائج السريعة التي وصل إليها-.
بعضُ الباحثين تضيقُ بهم الدنيا إذا وجدوا أنّ بحثهم يحتاج إلى إرادة قويّة وصبر كبير من أجل إنجازه،وأمثالُ هؤلاء الباحثين يوصفون بأنهم غير مبدعين ولا موهوبين لأنّ البحثَ يحتاج إلى إرادة قويّة يتجلى فيه استعراض كلّ ما قيلَ في المسألة التي يبحثها الباحث وتحليله والوصول إلى النتائج منهُ.
خامساً: عدم التسليم بسهولة لآراء من سبقهُ:
فلا يُسلَّم الباحث للعلماء القدماء والمحدثين، وعليه أنْ يثبت صوابهم وخطأهم –[هذا أمر بحثي أمّا استقلال شخصيّة الباحث فهي أمر شخصي].
سادساً: لا يكتفي الموهوب بظاهر المعنى في المادة العلمية التي يدرسها
بل عليه الوصول إلى طرائف متحيّرَة في تحليل المادّة واستنطاقها لمعرفةِ خفاياها بشكلها ومضمونها.
سابعاً: الباحث الموهوب في كلّ لحظة من لحظات بحثه مسيطرٌ على الموضوع
غير مشتّت، فهو الذي يقود هذا الموضوع وليس الموضوع هو الذي يقوده. فعليهِ تصنيف المادّة العلميّة لموضوع بحثه على بطاقات... وقد تكون لديه بطاقة تخدم مبحثين... ، ويتأمّل المعايير المناسبة للموضوع.
ثامناً: أن يتحلى الباحث بالموضوعية:
وهي أن يكون البحث تبعاً للحقيقة وليس إلى شيء آخر.
تاسعاً: أن يتحلى بالدّقّة:
لا يتجاوز بعض الحقائق تجاوزاً.
الباحث والمشرف
هناك أسس تحكم العلاقة بينَ الطالبِ ومشرفه:
على الطالب أنْ يتمتَع بالأدبِ مع مشرفه وأنْ يتْسمَ بسمات الباحث الموهوب وعلى المشرف أن يسمح للطالب بالعودة إلى غيرهِ مِنْ الأساتذة وسؤالِهم،
والمشرف ينحصرُ عملُه في:
1) الاطمئنان على أنّ المنهج الذي يتبعه الطالب منهجٌ سليم.
2) أنْ يناقش الطالب في معاييره التي يرتكز عليها في التحليل.
3) يدفع الطالب إلى مزيد مِنَ الجهد ويحفّزُه دائماً.
4) لا يتحمّل المشرف مسؤولية صحّة المعلومات أو عدمها إذ هذه مهمّة الطالب الذي يُجاز.
5) لا يتحمَل المشرف مسؤولية دقّة الطالب في النقل من المصادر الأخرى إنّما تكمنُ مسؤوليته في رسم منهج البحث والخطّة، أمّا المعلومات الجزئية مِنَ الرسالة فهي مسؤولية الطالب.
6) على الباحث أنْ يتجنّب ذكر اسم مشرِفِهِ في البحث إلا عند الضرورة القصوى.
موضوع المحاضرة القادمة [قواعدُ الكتابة في الرِّسالة الجامعيّة]
يقع الباحث أحياناً في أخطاء:
فيؤلف تأليفاً ركيكاً فتسمى أخطاء منها: الحشو, ومنها التكرار، يكرر الكلمات في أثناء كتابته, وهذا مما يؤذي أسلوبه ويضعفه أمام المناقشين وأمام نفسه وأمام مشرفه, إذاً نكتب:
1- على الباحث أن يتقيد بالنظام اللغوي وأن تكون كتابته خالية من أخطاء النحو، والإملاء، والصرف.. وأن يتميز أسلوبه بالسهولة والبعد عن كل ما يعقد العبارة في نظر القارئ أو عند القارئ.
* قد يستخدم الباحث:
- التصوير.
- الإعجاز.
- الاستعارة.
- التشبيه.
ولا بأس في ذلك على أن لا يكثر في الرسالة، يستخدم كل ذلك، لكن بقدر فإذا زادت عن حدها تحولت الرسالة من كلام علمي أكاديمي إلى كلام أدبي خيالي مصور وهذا شيء لا تتطلبه عادة الرسائل الجامعية.
2- على الباحث أن يتقيد بالأسلوب العربي من حيث عدم التكرار في المعاني والأفكار كيف يكون ذلك؟
يأتي مثلاً بشاهد، يشرح الشاهد ثم يأتي بفكرة، تشرح فكرة، وما هو شرح الشاهد ثم يقرر بعد ذلك الفكرة الإجمالية من كل هذه الأمور وهو بذلك ماذا يصنع؟ يقتل القارئ كأنه ينحره نحراً، يقول له أنت غبي، لا تفهم، وأنا أعيد لك الأمر مرة بعد مرة، أشرح لك الفكرة ثم أعيدها عليك مرة واثنتين وثلاث مرات وأربع مرات وهكذا حتى يقتله قتلاً.
3- عليه أن يتحاشى الفواصل الطويلة:
ما معنى الفواصل الطويلة؟
يعني جملة لا تنتهي، يبدأ بها من السطر الأولي، ويمضي بها إلى الثاني ثم الثالث ثم الرابع والقارئ، يتنفس ويتنفس ويلهث وراء الأفكار حتى ينتهي من هذه الجملة ثم لا ينتهي بعد ذلك.
4- وعليه أن لا يأتي ببراهين على قضايا مسلّم بها:
كيف يعني، يأتي ببراهين على قضايا مسلّم بها؟
يعني من القضايا المسلّم بها أن إسرائيل عندما احتلت فلسطين فإنما احتلتها لتغتصبها إلى الأبد وهذا نقرّبه، لكن لا زلنا منذ عام 1948م إلى يوم الناس هذا نسمع بالأخبار، وهذا الموقف من رئيس الوزراء الإسرائيلي دليل على أن إسرائيل لا تريد السلام، وهذا الموقف من وزير الدفاع الإسرائيلي، يدل دلالة قاطعة على أن إسرائيل لها نوايا عدوانية، إلى الآن ما زلنا نسمع في نشرات الأخبار، هذه تسمى براهين على قضايا مسلّم بها وهذا من تسخيف عقل القارئ أو المشاهد أو الجمهور كذلك في اللغة والأدب.
كلنا يعرف مثلاً: أن امرأ القيس قد ارتحل مع صاحبه عمرو بن قميئة إلى قيصر الروم وهناك قصائد لامرئ القيس في هذا.
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقــــــــــــــن أنا لاحـــــــقان بقيصرا
ثم يأتينا الطالب الباحث وكأنه أتى بشيء جديد ويقول:
هذا البيت يدل دلالة قاطعة على أن امرأ القيس قد ارتحل مع صاحبه إلى قيصر الروم.
هذا من تسخيف عقل القارئ والأمر هنا بسيط لكن أحياناً قد تغيب عن الباحث الحقائق أن الجمهور أو القارئ عنده حد أدنى من الثقافة فيأتي ببرهنة على أمر مسلّم به.
5- على الباحث أن يبتعد عن المبالغات سواء في المدح أم في الذم:
عليه أن يبتعد عن المبالغات.
ما معنى المبالغات؟
الباحث مطالب أحياناً أن يأخذ موقفاً لكنه ينسى أنه باحث أكاديمي فتأخذه الحمية أحياناً فيسب ويشتم ويبالغ في القدح.
وأحياناً تأخذه الرأفة والمحبة، فيبالغ في المدح وهذا مرفوض وذاك مرفوض. ففي الرسائل عادة تخلو من المدح أو الذم إلا بالقدر القليل القليل جداً.
6- على الباحث أن يبتعد عن أسلوب السخرية والتهكم، لأن الرسائل الجامعية يجب أن تتصف بالرصانة.
7- عليه أن يبتعد عن الجدل الذي لا طائل فيه.
هناك قضايا جدلية مهما قلنا فيه ستبقى هذه القضايا على حالها.
وأحياناً الباحث يجادل في قضايا هي من هذا النمط مثل:
هل اللغة توقيف أم اصطلاح؟
قضية جدلية وهناك ما يسند هذا وهناك ما يسند هذا.
إذا كان هذا بحث الطالب فلا بأس أن يخوض في هذا الأمر بتفاصيل وجدليات...الخ.
لكن أن تمر مثل هذه القضية عنده عرضاً أثناء البحث ثم هو يصرف عليها الصفحات الكثيرة ولا ينتهي بعد ذلك إلى شيء، نقول عنه أنه قد نقل الرسالة بما يعيبه.
8- على الباحث أن يبتعد عن كل ما يفتح باباً للخلاف غير الممنهج أو المخدم علمياً.
ما معنى هذا الكلام؟
مثلاً: هناك ثوابت عند الناس ترسخ في أذهان الناس أشياء سواء ما يتعلق بالتاريخ السياسي للأمة، مثلاً: هو يريد أن يفتح باباً للخلاف ولا يمتلك من الأدلة ما يكفي.
يريد أن يقول مثلاً:
إن بغداد لم تُهاجم سنة 656هـ من المغول، وإن المغول لم يدخلوا بغداد في هذه السنة ولم يحرقوا ولم يغرقوا الكتب في نهر دجلة.
ويأتي الباحث ويريد أن يناقش هذه القضية وليس معه من الأدلة ما يكفي لكي يقنع القارئ فهذا من فتح باب الخلاف.
الآن عندنا عنوان جديد هو:
قواعد كتابة الفقرة
ماذا أكتب في الفقرة؟
الفقرة: أكتب الفكرة الرئيسية ثم أشرح قليلاً عنها.
انظر قسمنا الرسالة قسما فأكثر.
- باب، بابان فأكثر.
- فصل، فصلان فأكثر.
ثم هذا الفصل له مباحث، مبحثان فأكثر.
الآن المبحث مم يتألف؟
من فقرة أو فقرات.
فقرة أولى، ثانية، ثالثة، وربما عشرة أو عشرين فقرة، ما شاء أن يضع في هذا المبحث.
لابد أن يكون مبنياً بناءاً منطقياً هذا البناء المنطقي يقول:
إنني إذا كان عندي مجموعة حجج أريد أن أعرضها فإنني أعرض الأضعف أولاً إلى أن أصل إلى الأقوى.
فإنني أتدرج مع عقل القارئ، فأثبت القضايا التي أريد أن أثبتها في ذهنه إثباتاً قوياً، فأنتقل من الأضعف إلى الأقوى من حيث ترتيب قوة الحجة والبرهان. عندي شواهد جمعتها من الكتب:
- من كتاب البيان والتبيين قولاً.
- من كتاب الأغاني خبراً.
- من كتاب الصناعتين أخذت قولاً.... الخ
إذاً عندي مجموعة من الشواهد، هذه الشواهد أقرؤها قراءة فهم ثم أعرضها إلى معايير التحليل، فأنا أعلل هذه الشواهد والمواد التي جمعتها، أحللها تحليلاً ما، هذا التحليل يتزن ويتفق مع المنهج التحليلي الذي أخذته، ربما أخذته كما ذكرت لكم:
- البنيوية.
- تفكيكية أي شيء.
- الطريقة القديمة التقليدية...الخ.
فعندما آتي إلى هذا أرتب مع هذه الشواهد بالنظر إلى الأقوى والأضعف ثم أرتبها على المبحث، فأقول: أنا في الفقرة الأولى سأناقش الشاهد الأول، وقد أقول إنني أناقش الشاهد الأول، سأقدم تقديماً نظرياً لهذا المبحث.
ثم أقول إنني سأناقش الشاهد الأول، الشاهد الثاني، الشاهد الثالث، ثم سأختم المبحث بخاتمة قصيرة، سنلخص ما ورد فيه ونمهد للمبحث الثاني وهكذا..
ملخص القول:
عندنا مجموعة من المواد، من المادة العلمية التي جمعتها من الكتب، وهذه المادة العلمية فيها مجموعة من الشواهد، وهذه الشواهد ستكون مادة لي من أجل أن أعرض على القارئ أفكاري فيما يخص هذا المبحث.
وهذه الأفكار التي سأعرضها ستستند إلى هذه الشواهد وستكون أدلة على ما سأذهب إليه من نتائج.
كيف أرتب هذه الأدلة؟
ينبغي أن أتدرج مع القارئ، فلا أعطيه الحجة القوية مباشرة لماذا؟ لأنه إذا استطاع أن ينفيها فإن ما بعدها من حجج ستزيده شكاً منه.
أقول: فأنا أرتبها من الأضعف إلى الأقوى، فالأقوى، ... الخ.
وأرتب نظرياً ماذا سأكتب في هذا المبحث.
فأقول: إن هذا المبحث يمكن أن يكون في عشر فقرات في كل فقرة هناك شاهد ما، يعني، هذا أبسط عنصر في الرسالة الفقرة وهي أبسط عنصر.
فيها شاهد واحد، فيها مناقشة لهذا الشاهد.
هذا الشاهد ومناقشته جزء لا يتجزأ من طريق الحجج التي أرتبها ترتيباً ما حتى أصل إلى خاتمة المبحث هذا هو الإقناع الأول.
ثم يأتي المبحث الثاني فيؤدي إلى الإقناع الثاني.
وأنا أعرض فصول نظريتي ورؤيتي لهذا المبحث.
* شروط كتابة الفقرة:
تعد الفقرة من العناصر الأولية في الرسائل الجامعية.
لأن مجموع فقرات تشكل مبحثاً.
والمبحث يعد مكوناً أساسياً من مكونات الفصل، لذلك عندما يكتب الباحث فقرات مبحثه عليه أن يراعي فيها أمرين:
1- أن تعرض الفقرة عنصراً واحداً أو شاهداً واحداً من الشواهد الأساسية في تكوين نظرة القارئ من خلال المبحث الذي تنتمي إليه هذه الفقرة.
2- أن يرتب الحجج في المبحث الواحد على فقرات ويتدرج من الأدنى قوّة إلى الأقوى.
يفضل أن تكون الجمل في الفقرة معتدلة الطول.
الاقتباس في الرسائل الجامعية
الباحث وهو يكتب فقرته ماذا سيفعل؟
لابد أنه يستشهد بأقوال الآخرين:
- بالنصوص الأدبية.
- بالأخبار ... الخ.
فكيف هو الحال؟
وما النظام لذلك؟
هو سيستشهد بأقوال الآخرين.
هناك قواعد للاقتباس
أهم هذه القواعد:
1- أن لا يطول، فإذا طال الاقتباس أضعف ذلك من شخصية الطالب.
يقولون له: لماذا أتيت كل رسالتك، فيها نقل في نقل، تنقل صفحة وتقول وهذا كما قال الجاحظ، وفي صفحة أخرى وهذا كما قال فلان وينقل صفحة وبذلك هو يضعف من شخصيته.
إذاً الأمر الأول:
أن لا يطول الاقتباس، حجم المادة المقتبسة إلا في حال الضرورة أحياناً قد يضطر إلى أن ينقل نصاً طويلاً ولكنه في هذه الحالة ينبه على ذلك ويقول:
وقد نقلت النص بطوله لأهميته ولأنه ناظمٌ لعملي في هذا المبحث.
2- أن يتفق النقل مع ما قبله وما بعده:
في كلام الباحث فجأة يصادفني قول لا أدري لمَ جاء به والصفحة في وجهي وهو يتحدث في شيء جاء النص ليقول شيئاً آخر.
ينبغي أن يكون هناك تعاضد في النص الذي يأتي به والجزء المكمل للفكرة التي يريد أن يذكرها الباحث.
3- الدقة في النقل:
هي من أهم ما ينبغي أن يستخدمها للاقتباس في الرسائل الجامعية، فبعض المصادر فيها تصحيف وتحريف وهذه حالها.
وبعض الباحثين يزيد هذا التصحيف والتحريف سوءاً بطريقة بشعة.
مثلاً:
- ينسى مفرداً في أثناء سياق الخبر الذي ينقله.
- يغير في بيت الشعر حرفاً.
- يضع شدة على حرف غير مضعف.
يفعل أشياء من هذا القبيل فيأخذ ما ينقله إساءة للرسالة وليس تقوية ودعماً لها وإنما ضعفاً لها.
ويقع في الخطأ إذاً لابد مما جاء من الدقة في النقل.
وعليه وهو ينقل البطاقات أن يراجع ما نقله عن الأصل الذي نقل منه، أن يعتمد الطبعات مثلاً:
(الشعر والشعراء)
هناك طبعات متعددة أهمها:
- طبعة أحمد محمد شاكر:
الموازنة بين أبي تمام والبحتري بين الطائيتين.
مثلاً: هناك طبعتان:
طبعة أولى:
لـ: محمد محي الدين عبد الحميد.
- طبعة ثانية: أحسن تحقيقاً:
لـ سيد أحمد صقر.
مثلاً: وهو يرجع إلى الطبعة المحققة تحقيقاً جيداً وهكذا في كل طبعات الكتب التي ينقل منها.
فهو ماهر لا يذهب إلى السوق ويختار أردأ أنواع القماش ليصنع منها ثوباً جميلاً، براقاً، يأخذ الألباب.
بل هو يختار الأفضل لأن ما سيصنع سيكون جزءاً من هويته واسمه في أعين الناس.
4- تنوع المصادر والمراجع:
ما معنى تنوع المصادر والمراجع؟
يعني، ذهب ليناقش الشاعر أبا تمام، الصنعة عند أبي تمام.
ذهب إلى المكتبة (مكتبة الأسد الوطنية) فذهب وفتح:
من الذي تحدث عن أبي تمام مثلاً:
عبد الله محارب
أو كتاب آخر ربما، مثلاً (كتاب الموازنة)
ماذا صنع؟
جعل هذه الكتب أمامه على المنضدة ونفتح إلى هوامشه فلا نرى إلا اسم هذا الكتاب، أو هذا الكتاب، أو الكتاب الثالث، نقلب الصفحات، ألم يرجع إلى كتب أخرى، إلى مصادر أخرى على الباحث أن ينوع في مصادره وبقدر تنويعه للمصادر يعطي انطباعاً للقارئ بأنه محيط بكل ما كتب وما هو ضروري لكتابة موضوع متميز عن البحث الذي اختاره.
إذاً لابد من تنوع المصادر والمراجع.
ينبغي أن تكون متنوعة تنوعاً واسعاً.
أصول كتابة الحواشي
أصول كتابة الحواشي في الرسائل الجامعية:
ينبغي أن نتقنها من حيث أمرين:
1- المكان.
2- المضمون.
أ) أما المكان:
فهناك ثلاث طرائق لوضعها:
الطريقة الأولى:
في أسفل كل صفحة، وهذه الطريقة هي الأشهر والأسهل للقارئ وهي الطريقة الأصلية، العرب كانوا يصنعون هذا، فهي سهلة، يعني يأتيني شيء أريد أن أتوثق منه مباشرة أنظر إلى أسفل الصفحة، يكون الكاتب أو الباحث قد وضع لي رقم (1) في كل حاشية أنظر على الرقم (1) ويشرح مادته...الخ.
الطريقة الثانية:
في نهاية كل فصل، الرسالة مثلاً خمسة فصول.
الفصل الأول: نأخذ أي حاشية في صفحاته.
لكن عندما ينتهي الفصل أقلبها، مكتوب عندي عنوان:
(حواشي الفصل) أو (هوامش الفصل الأول)
(130) مثلاً إلى نهاية الفصل...الخ¬وتكون مرقمة من (1)
وهذه الطريقة لم تكن عربية إنما هي مستوردة.
وعلة أصحاب هذه الطريقة هي أنهم يقولون لا نريد للقارئ أن ينشغل بالهوامش والتوثيق...الخ.
وهذا الكلام مردود.
لأن الباحث أو القارئ الجاد هو يريد المعلومة ويريد توثيق المعلومة حتى ينصرف إلى الأفكار أكثر من انصرافه إلى التوثيق.
فيقول:
سأعود إذاً إلى نهاية الفصل لأرى إن كان هذا الكلام صحيحاً أو غير صحيح أو فيه تصحيف أو تحريف، أو من الذي قال هذا الكلام وهو لا يعرف.
الطريقة الثالثة:
في نهاية الرسالة.
الفصل الأول ينتهي لا حواشي، هناك أرقام
الفصل الثاني ينتهي لا حواشي، هناك أرقام
الفصل الثالث... وهكذا حتى نهاية الرسالة ثم نقول:
هوامش الفصل الأول.
هوامش الفصل الثاني.... وهكذا.
(140) للفصل الثاني وهكذا كل فصل أرقامه على حدة مستقل عن أرقام بقية.¬ (130) للفصل الأول من (1) ¬فتكون مرقمة مثلاً من (1)
أنه وجد رقم (130) فلا يدري أن هذه هي في الفصل الأول أو أنها في الفصل الثاني لا يدري إلا إذا كان يقرأ الكتاب بالتفصيل وهو يعلم أنه في الفصل الثاني أو في الفصل الثالث... وهكذا.
وهذه من أردأ الطرق:
لماذا؟
لأنها تصرف من وقت القارئ الكثير.
ب- أما المضمون، فماذا في مضمون الحواشي؟
لماذا أضع حاشية وأنا ألف بحثاً؟
نكتب الحواشي عادة لأمور منها:
1- التوثيق يأتي على رأس الأسباب التي تُكتب لأجلها الحواشي.
2- شرح الغامض حتى لا يُشغل بال القارئ؛ ربما يوجد قارئ يعرف المعنى وقارئ لا يعرف فلا أشغل بال القارئ؛ بأن أشرح له الغامض في متن الرسالة وإنما أشرح في الحاشية أو (الهامش).
3- الترجمة (ترجمة الأعلام والأماكن)
والترجمة: التعريف بالشخصيات، تعريف بالمكان، تعريف بالمدنية.
4- التخريج: ما المقصود بالتخريج؟
عندنا التوثيق وعندنا التخريج.
التوثيق هو ذكر المصدر الذي أنقل منه (اسم المصدر والصفحة).
التخريج: هو عمل بحثي مهم في بعض الأبحاث مثل تخريج الأخبار والأحاديث والأشعار والذي يعيننا هنا هو الأحاديث كيف نخرج حديثاً؟
وما المقصود بالحديث؟
- هو الحديث النبوي: وهو قول أو فعل أو إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم كيف أخرّج حديثاً.
ذكر السند والمتن والكتاب...الخ
هناك عندي حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء متن الرسالة الجامعية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
المطلوب مني هنا أن أخرج هذا الكلام، كيف أخرجه؟
أرجع إلى كتب الحديث، أذهب إلى كتاب صحيح البخاري وأبحث فيه، لا أجد الحديث مثلاً أضع الكتاب، أذهب إلى صحيح مسلم أبحث فيه لا أجد الحديث، أضع الكتاب ثم أذهب إلى سند الترمذي ولا أجد الحديث...
هذه طريقة طويلة جداً، هناك فن يُسمى فن تخريج الأحاديث يقوم على ما يلي:
كتب الحديث مقسمة أقساماً منها كتب الصحيح، الكتب الثمانية أو التسعة، البخاري، مسلم، ويلحق بها كتب السند: أبو داود والترمذي والنّسائي وابن ماجه، عندنا أيضاً المسانيد منها: مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبو يعلى، مسند البزار،..
حتى لا يبحث الباحث في كل هذه الكتب هناك كتب تسمى كتب التخريج وهذه الكتب هي:
1- جامع الأصول عن أحاديث الرسول: لابن الأثير، ماذا في هذا الكتاب؟ فيه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والموطّأ، كل الأحاديث الموجودة في هذه الكتب مرتبة ترتيباً موضوعياً يعني على الموضوع (أو ما يسمونه الترتيب على أبواب الفقه).
في جامع الأصول لابن الأثير ليس فقط جمع الأحاديث بل معه فهرس في مجلدين، الأحاديث مرتبة فيه حسب بداية الحديث ترتيب ألف بائي فإذا بحثت عن الحديث ولم أجده في هذا الكتاب أذهب إلى كتاب آخر هو:
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لابن حجر الهيثمي: كل ما زاد على هذا من المسانيد هو موجود في مجمع الزوائد فإذا لم أجد الحديث فيه وهو مفهرس فهرسة ألف بائية أذهب إلى كتاب آخر.
3- كتاب (كنز العمال) للهندي.
هناك كتاب آخر:
4- اسمه المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي للمستشرق الألماني (فنسنج).
هذا الكتاب أخذ الأحاديث على اللفظة في الكتب التسعة التي هي: البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد والموطأ للإمام مالك بن أنس.
- علم الحديث قد أراح الإنسان في كثير من الأمور فهناك كتاب جديد ومكثف اسمه (الحاسوب) فيه ما فيه من مكتبات الحديث أهمها المكتبة الألفية ومنها ألف كتاب من الحديث النبوي.
وما عليك سوى أن تضع أول كلمة من الحديث فيأتيك بالحديث وموضع وروده من هذه الكتب.
المكتبة الشاملة فيها 18000 كتاب.
لكن إذا كنتُ سأرجع في التخريج إلى هذه الكتب ينبغي أن أتنبه إلى أمرين:
الأول: أن أرقام الصفحات التي يرشدني إليها البرنامج هي أرقام صفحات الكترونية على الحاسب وهي ليست الصفحات الحقيقة للطبعات المعتمدة أي غير مطابقة لصفحات الكتاب المطبوع.
الثاني: هو أن هذه الكتب على الحاسب تعج أو مليئة بالتصحيف والتحريف فلا يغنيني على الإطلاق أن أعرف أن هذا الحديث ورد هنا في البخاري فنقول له كما ورد في الحاسوب.
إذاً ينبغي أن أعود إلى الكتب المطبوعة ولها شهرة مثل كتب بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي مثل الترمذي بتحقيق أحمد محمد شاكر وهكذا...
انتهت المحاضرة,
المحاضرة: السابعة
الاثنين: 19/4/2010م
كنا نتحدث في المرة الماضية عن كتب تخريج الحديث النبوي الشريف، وذكرت لكم أن الباحث يخرج في الطريقة الآلية:
الخطوات:
أن يبدأ بالكتب الصحيحة أو الستة.
ثم الكتب التسعة.
ثم زوائد الكتب التسعة.
ثم زوائد الزوائد حتى يصل إلى الحديث.
ثم ذكرت لكم أن هناك طريقة الكترونية في تخريج الحديث النبوي الشريف: وهي بالعودة إلى المكتبات الالكترونية التي توافرت حديثاً.
منها:
1- المكتبة الألفية.
2- المكتبة الشاملة. وغيرهما.
الاستقراء هو : تتبع المادة العالمية لموضوع ما في مظانِّها, ما معنى مظانها؟ مراجعها , مصادرها، أين مظانها في المثال السابق؟ مظانها : القصيدة الجاهلية والشعر المعاصر, فأذهب إلى الشعر الجاهلي فأستقري معانيه, وشكله كل هذا أبحثه في القصيدة الجاهلية, ثم أذهب إلى الشعر المعاصر وأنطلق من خلفية أني أعرف الشعر الجاهلي, أعرف المعاني التي كانت في الشعر الجاهلي، ثم أقرأ الشعر المعاصر, ماذا سأقرأ؟ كل ما يشير إلى معنى ورد عند الجاهليين، كل ما يشير إلى طريقة تأليف وردت عند الجاهليين, طريقة صياغة الشعر، ثمّ سأجري البحث .
إذا الاستقراء له مجال وهذا المجال هو الذي يحدد حجم الاستقراء الذي سأجريه, ومن جهة الكمّ الاستقراء ثلاثة أنواع :
1 ـــ الاستقراء التام "الكامل": هو تتبع كل عينات الدراسة أو تتبع عينات الدراسة كلها. لو كان موضوعي مثلاً : وصف المرأة في شعر المتنبي وأردت أن أجري استقراءً تاماً ماذا سأقرأ؟ سوف أذهب إلى شعر المتنبي كاملاً, وأستقصي كل معنىً أو كل بيت ورد عن المرأة في هذا الشعر, هذا الاستقراء وهو الاستقراء التام .
والاستقراء هو تتبع الأمثلة الجزئية بغية الوصول إلى قواعد كلية.
المقصود به مثلاً في النحو, القاعدة تقول : اسم الفاعل يدل على من قام بالفعل وهو مرفوع .
كيف وصلنا إلى هذه القاعدة؟ هذه تسمى قاعدة كلية, ومعنى كلية: يعني شاملة لكل مفردات هذه القاعدة .
كيف وصلت إلى هذه القاعدة؟ بالاستقراء وهذا الاستقراء مضطرد لم تخل به مثل من الأمثال عرفت في النهاية أن اسم الفاعل اسم يدل على من قام بالفعل .
إذاً ماذا صنعت؟ تتبعت الأمثلة الجزئية "قام زيدٌ – وصل المسافرون – صنع الناس المعروف" كل هذه الأمثلة الجزئية تدلني على أن الفاعل هو من قام بالفعل وأنه مرفوع .
وهذا الاستقراء نستخدمه في حياتنا اليومية وفي قراءاتنا وأبحاثنا ورؤيتنا, في كل أنشطة الحياة لا بد لنا من الاستقراء, استقراء الأمثلة الجزئية التي تفيدنا في إصدار الحكم الكلي قد يكون هذا الحكم خاطئاً, وقد يكون صحيحاً, لكن عملية الاستقراء تجري في كل أنحاء الحياة .
إذا استقريت كل المفردات، كل الأمثلة الجزئية كان استقرائي تاما وواضحاً وهو أعلى أنواع الاستقراء, وليس بالضرورة أن يكون استقرائي هو الصواب .
2 ــ الاستقراء الواسع "الموسّع": هو الاستقراء الذي يشمل أغلب الأمثلة الجزئية أو أغلب عينات الدراسة, يعني وصف المرأة في شعر المتنبي يستحيل عقلاً أن أحصي كل معنى جزئي في شعر المتنبي عن المرأة, لكن لا يستحيل عقلاً أن أحيط في أغلب جزئيات هذا الموضوع, وهذا نسميه استقراءً واسعا أو موسّعاً .
وهذا الاستقراء هو المستخدم كثيراً في منهاج البحث في اللغة والأدب .
3 ـــ ًالاستقراء الناقص : هو الذي يشمل جزءاً من عينة الدراسة, أو الأمثلة الجزئية التي تنتمي إلى موضوع البحث .
فالنوع الأول من الاستقراء نلجأ إليه أحياناً، مثل حالات الإحصائيات.
كأن تقوم الدولة بإحصائية ما فلا بد أن تقف على كل جزئيات البحث .
أحياناً لا يريد الباحث ذلك إنما يريد الوقوف على أغلب جزئيات المادة "البحث" فعندها نلجأ إلى الاستقراء الواسع أو الموسع وقد يقول الباحث أنا لست بحاجة إلى هذا الاستقراء الموسع فبعض الأمثلة يكفي لبحثي فعندها نلجأ إلى النوع الثالث وهو الاستقراء الناقص .
في مادة أصول الفقه هناك قواعد أصولية مثل الضرورات تبيح المحظورات.
كيف وصلوا إلى هذه القاعدة الكلية؟! استقرؤوا الأحكام الجزئية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , فخرجوا بهذه القاعدة بعد استقراء هذه الأحكام الجزئية وصلوا إلى قاعدة تحكم كل ما هو محظور بأنه مباح في حال الضرورة
عكس الاستقراء ـــــــــــــــــــــ الاستنباط :
والاستنباط : عندي قاعدة كلية أستنتج منها أحكاماً جزئية .
فالاستنتاج : هو الانطلاق من القاعدة الكلية أو أخذ الأحكام من القاعدة الكلية وتطبيقها على الأمثلة الجزئية المتجددة .
ــــ مثال على ذلك في الأدب :
لدينا قاعدة كلية تقول : إن كل شعر لا بد أن يكون مقفَّى أي له قافية هذه قاعدة كلية فإذا وجدت أشعاراً على غير قافية أحكم على إخراجها من دائرة الشعر بناءً على القاعدة الكلية المتقدمة .
مثال آخر : إن القصائد الجاهلية تسير على نمط تقليدي واحد وهو المنهج التقليدي للقصيدة الجاهلية هذه تسمى قاعدة كلية .
فإذا وجدت شاعراً خالف المنهج التقليدي أقول خرج عن منهج القصيدة التقليدي للشعر الجاهلي فأحكم على هذه الجزئية من خلال القاعدة الكلية .
استنباط حكم جزئي من خلال القاعدة الكلية .
مثال آخر : إن القاعدة الكلية تقول إن الشاعر غزير الشعر، وجيّده، ومطبوعه، المؤثر في غيره هو شاعر فحل .
هذه قاعدة كلية, كيف وصلنا إليها؟ عن طريق الاستقراء تتبعت أحوال الشعراء فوجدت أن الفحول منهم هم من تتحقق فيهم هذه الصفات, الطاقة الشعرية وغزارة الإنتاج الكم والكثرة، وتنوع الأغراض، الطبع والجودة، التأثير . . . الخ.
الآن وجدت شاعراً من الشعراء أردت أن أحكم عليه أقول هو فحل في الشعر بناءً على أنه حقق كل مفردات القاعدة وهذا يسمى استنباطاً .
الاستقراء نوعان بحكم طبيعته :
1 ــ استقراء حسي .
2 ـــ استقراء ذهني .
الاستقراء بحسب هيئته، بحسب طبيعته نوعان :
فالاستقراء الحسي: أي محسوس مرئي, مفرداته التي أستقيها ماثلة للعيان أراها أُشخِّصها كالعلوم التجريبية في المشافي والمصانع وغيرها, وكل هذا يسمى استقراءً حسيّاً .
أما الاستقراء الذهني: فهو عمليات يجريها الدماغ سريعة جداً توصله إلى قاعدة كلية وهذا نجريه كثيراً في حياتا اليومية في البيت، في القراءة، في اللعب . . . الخ
وهذه القواعد الكلية قد تكون دائمة الثبوت وهذا هو الأصل وقد تكون مؤقتة الثبوت تحكم فترة معينة كاختلاف الأذواق من عصر إلى عصر في اختيار الألوان والثياب وغيرها . . الخ .
وهذا له صلة كثيرة جداً في علم نفس الإعلام .
فكيف يغيرون المجتمعات عن طريق هذه الأمثلة الجزئية التي يأخذونها ثمّ يغيرون شيئاً فشيئاً وهكذا يصبح التغيير .
والحقيقة أننا بحاجة إلى أن ننظر إلى أنفسنا من الخارج أن ننتقد طريقة تفكيرنا أن ننتقد العمليات العقلية التي نجريها في محاكمة الأشياء والحياة لنعرف إلى أي مدى نحن مقصرّون في النشاط وخدمة هذا الوطن وهذه الأمة، هذا الوطن الذي ننتمي إليه؛ لأننا نحمل هذه الناحية في طرائق تفكيرنا وفي النظر إلينا، والنظر إلى الآخر المتربص بنا الذي يشتغل للنيل منا ومحو وجودنا وإلغاء هذه الأمة من الخارطة.
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين
كنا قد تحدثنا في المحاضرة الماضية وأخذنا الاستقراء وعرفنا أن الباحث لا يستغني عن المنهج في عمله, وإنه إن استغنى عن المنهج فإنه سيخبط خبط عشواء يصيب تارة ويخطئ أخرى فالمنهج ضروري جداً للباحث ؛ لأنه يوصله إلى نتائج صحيحة في بحثه.
واليوم نكمل الرحلة مع مناهج البحث لكن اليوم سنكون في منهج جديد لا بدّ للباحث من اللجوء إليه شاء أم أبى هو:
المنهج التحليلي, فالباحث جمع مادته العلمية عن طريق ماذا؟
عن طريق منهج الاستقراء ولا بدّ له حتى يصل إلى النتائج من أن يمر بمنهج آخر هو المنهج التحليلي وبعد التحليل سيصل إلى الاستنباط أو الاستنتاج.
فالطريق واضح استقراء فتحليل فاستنتاج وما دمت أعرف أنني كيف سأستقري مادة البحث فلا بد لي أن أعرف كيف سأحلل هذه المادة وأفصِّلها حتى أخرج بنتائج صحيحة فدرسنا اليوم هو:
المنهج التحليلي
والمنهج التحليلي يتناول الأمثلة الجزئية التي جمعتها في الاستقراء يصنفها يبحث عن المشترك فيما بينها يضع معايير للتحليل وبعد ذلك كل هذا الذي وصل إليه يقدّمه هديّة مجانية للاستنتاج بعد تعب شديد حتى يصل الباحث إلى مراده إذاً بحثنا عن التحليل.
-فالتحليل منهج بحثي بحت يرد المادة العلمية للبحث إلى أجزائها الأولى ويبحث في خصائص هذه الأجزاء كلاً على حدة, من أجل الوصول إلى المرحلة الأخيرة في البحث وهي الاستنتاج أو الاستنباط.
إذاً: ما هو التحليل؟
هو ردّ الأجزاء إلى أصولها الأولى والبحث في خصائصها وسماتها وصفاتها وما هو مشترك فيما بينها, وما هو مختلف فيما بينها وما هو ذو دلالة فيها وما هو غير ذي دلالة فيها كل هذا يبحثه المحلّل, محلل المادة العلمية؛ فالتحليل منهج؛ لأنه يقوم على قواعد وله سمات, والاستقراء منهج لأن له قواعد ويقوم على سمات.
والاستنباط أو الاستنتاج منهج لأنه يقوم على قواعد وله سمات وخطوات ثابتة راسخة منذ اكتشافه إلى يوم الناس هذا.
الآن سوف نأخذ مثالاً هو كتاب ابن سلام الجمحي "طبقات فحول الشعراء" لنغوص معه ونعرف طريقته في التحليل أو المنهج التحليلي عنده.
ماذا صنع ابن سلام في هذا الكتاب, سنذهب معه وفق هذه الخريطة.
أولاً: استقرى يعني جمع أسماء أعلام الشعر في الجاهلية والإسلام وعرف أشعارهم أحاط بهم علماً عرف أخبارهم عرف ما قيل فيهم من نقد على ألسنة الشعراء والرواة والنقاد ورجال الحكم أو الرياسة أو الوجهاء.
إذاً: هو عرفهم ووضعهم عنده في خانة الاستقراء وعرف أشعارهم فاضطلع على هذه الأشعار وتبيّنها بيتاً بيتاً, ووثّقها ثمّ عرف أخبار الشعراء وأخبار الشعر وكل ما أحاط بالشعر من أخبار تفيده في تحليله ثمّ جمع ما قيل فيهم من نقد وما قاله الرواة وما قاله الشعراء والنقاد والوجهاء ثمّ وثّق لنا أشعارهم فاكتمل عنده الاستقراء.
الآن السؤال الذي نسأله: ما نوع الاستقراء عند ابن سلّام؟
هو استقراء موسّع؛ لأنه يستحيل عقلاً أن يحيط بكل شعراء الجاهلية والإسلام؛ ولأنه لا يملك الأدوات الكافية للإحاطة بجميع مفردات العينة أي عينة الدراسة؛ لأنه ربما كان في قبيلة من القبائل تسكن في أطراف الجزيرة مما هو بعيد مسافة عن ابن سلام ولم ينتهِ إليه خبر شاعر فيها؛ ربما مجهول أو قليل الشعر لكننا يقيناً نقول إنه قد توسّع في الاستقراء إلى درجة أننا متأكدون من أنه أحاط بمعظم أو أغلب الشعراء.
إذاً: هذا ما صنعه ابن سلام بعد أن صنع هذا ماذا فعل ذهب إلى التحليل, ماذا عرفنا عن التحليل, هو ردّ المادة العلمية للبحث في أجزائها الأولى ... إلى آخره.
إذاً: هو ماذا صنع؟
وضع كل الشعراء الذين جمعهم على المائدة ووضع كل أشعارهم على المائدة وأخبارهم وما إلى ذلك.
فردّ الأشياء إلى أصولها وفكّكها تفكيكاً ماهراً, ثمّ ماذا صنع؟ بحث عن الصفات المشتركة فأوجد لنا مجموعة من المعايير تُسمى معايير التحليل.
هذه المعايير جعلها غربالاً, فقال كتابي عنوانه "طبقات فحول الشعراء".
فلا بد لي من أن أضع معايير أخرج فيها شعراء وأبقي فيها شعراء.
ما هذه المعايير؟
قال: كل شاعر غزير الشعر عنده طاقة شعرية عنده تنوّع في أغراض الشعر فإنه سيدخل في البحث.
إذاً: هذا معيار الشعر عنده, هو سيذهب مثلاً إلى الأعشى ذهب إليه فوجد أنه شاعر مكثر وأنه نظم على كل البحور الشعرية وفي أغراض متعددة فقال هذا الشاعر يستحقّ أن يكون في طبقاتي.
يقول: كل شاعر جيد فسأدخله في الكتاب كل شاعر مؤثر في غيره سأدخله في هذا الكتاب, كل شاعر مطبوع بشعره سأدخله في هذا الكتاب, وسأسمي من كانت عنده هذه الصفات الأربع فحلاً, لم يكتف بذلك فحسب بل قال: كل شاعر مشهور سأجعله في كتابي.
إذاً: هذه معايير للتحليل؛ لأن هذا المعيار سوف يُسقط عليه مجموعة شعراء, فإن اتفق هذا المعيار على هذه العينة عينة الدراسة عند ذلك نقول: إنه يدخل عند ابن سلام في طبقاته وهكذا في كل معيار من معاييره.
فابن سلام ماذا صنع؟
استقرأ ثمّ حلل هذه المادة العلمية وهو يحلل نقرأ تحليله فإن تحليله له سمات سنذكر كل سمات التحليل:
أولاً الموضوعية أو الخروج عنها
فابن سلام قال:
"أنا ذهبت إلى أشعار العرب وشعرائهم وجمعت أعلامهم وعرفت أشعارهم وأخبارهم وما قيل فيهم من نقد الرواة إلى آخره, ثمّ حللت هذه المادة العلمية وفق الطريقة الآتية:
كل شاعر غزير الشعر , آتي إلى ابن سلام وأسأله هل كنت موضوعياً هل اتسم تحليلك بالموضوعية في أثناء وضعك هذا المعيار وتطبيقه هل أنت حقاً ذهبت إلى كل شاعر غزير الشعر فأدخلته وكل شاعر قليل الشعر بعدّته عن ذلك.
أنا ماذا أصنع؟
أحاكم موضوعية الباحث فأقول:
إن تحليله يتّسم بالموضوعية أو بالخروج عن الموضوعية فالموضوعية سمة من سمات التحليل وعندما يقول لي كل شاعر جميل الشعر يدخل في بحثي أقول له: ألم تستبعد شعراء جيدي الشعر, عندما يقول لي: كل شاعر مؤثر في غيره جعلته في كتابي أقول له: ألم تستبعد شعراء مؤثرين في غيرهم من نطاق بحثك يصدق عليهم هذا المعيار ولم تدرجهم في كتابك.
فأقول: إنه خرج عن الموضوعية أو اتسم بالموضوعية.
إذاً: فالسمة الأولى هي الموضوعية أو الخروج عنها.
-من سمات التحليل: الموضوعية, فالباحث عندما يضع معياراً للبحث أو تحليله المادة العلمية التي جمعها فإنّ عليه أن يتسم في هذا المعيار بالمصداقية فلا يخرج عنه مثل يخالفه, فالمعيار قاعدة ينبغي أن تضطرد والباحث المتميز هو الذي يحيط بمادته العلمية ويحكمها عن طريق القاعدة التي وصل إليها وجعلها معياراً للتحليل.
ففي كتاب ابن سلام نجد أنه وضع مجموعة من المعايير لتحليل مادته العلمية, وهذه المعايير صادقة وعندما نرى أنها غير صادقة فإن ابن سلام ينبّهنا إلى أنه قد جعل في أثناء البحث معياراً يدخُل ما يُظن أنه خارج عن المعيار أو المعايير الأخرى, إلى نطاق البحث.
السمة الثانية السطحية والعمق
مثلاً: كل قماش لونه أزرق يدخل في نطاق البحث.
كل شاعر جيّد الشعر يدخل في نطاق البحث.
فنحن أمام معيارين مختلفين, أحدهما: سطحي, بسيط آتي بكل قماش لونه أزرق وأدخله في نطاق البحث, لكن المعيار الآخر:
كل شاعر جيد الشعر هذا مقياس عميق جداً؛ لأنه يحتاج إلى أن أعرف نقد اللفظ ونقد المعنى, ونقد العاطفة ونقد الخيال والمذهب الشعري والشعر المطبوع والغير مطبوع وأن أبحث عن كل بيت شعري على حدة.
أفعل كل ذلك من أجل أن أحكم على شعر ما أنه جيد فهذا المقياس يبدأ بالمعمق, بينما ثمّة مقاييس أخرى تتسم بالسطحية أو أنها واضحة جداً للعيان ولا تحتاج من الباحث كثير جهدٍ أو عناء؛ فالمعيار الذي يدفع الباحث إلى بذل الجهد نقول عنه : إنه معيار عميق له أبعاد مختلفة له بُعد فلسفي له بُعد معرفي له بعد فني له بعد جمالي كل هذه الأشياء تجعلني أقول: إن هذا المعيار يتّسم بالعمق, بينما معايير أخرى تحتاج فقط إلى الإحصاء نقول عنها إنها معايير سطحية بسيطة.
يلجأ بعض الباحثين إلى معايير تتسم بالسطحية كالمعايير الإحصائية كأن يقول مثلاً: عدد الأفعال الماضية في هذه القصيدة كذا وكذلك المضارع والأمر, هذا في الغالب سطحي, إلا إذا كانت له أبعاد, أريد مثلاً من خلال الإحصائية أن أحاكم طريقة تسيير شعر امرئ القيس من خلال شعره هل هو شخص يحكم على الأشياء من خلال الماضي هل يحكم عليها من خلال المستقبل؟ نوعية الجمل نوعية التراكيب؛ فالتراكيب الطويلة تنبئ عن عقلٍ أكثر وعياً من التراكيب القصيرة, أشياء كثيرة جداً.
تحليل بنية هذا النص, المعجم الشعري هل هو معجم بدوي هل هو معجم حضري الألفاظ تدل على الأنوثة أو على الذكورة في هذا الشعر.
مجموعة أشياء تفيدني جداً في التحليل لكن أن أكتفي بأولها فأقول: عدد الأفعال عدد الأسماء أسماء الأماكن التي وردت في النصّ أضع هذا أمام القارئ فحسب.
-عند ذلك أقول إن هذا التحليل سطحي.
التحليل العميق يحتاج إلى جهدٍ وتعب وكثير من العمل الفكري الشاق من أجل الوصول إلى نتائج جيدة.
أما التحليل الذي يتسم بالعمق فهو الذي يحتاج فيه صاحبه إلى أن يبذل جهداً متميزاً في تحديد أبعاد المادة التي يحللها "في عمليات مركبة" معقّدة يستطيع الباحث المتميز أن ينجزها أما الباحث التقليدي فينفر منها أو يهرب منها لذلك نحن عندما نحاكم الرسائل الجامعية في الماجستير والدكتوراه ماذا نصنع؟
نبحث عن معيار الباحث في التحليل هل هرب من هذه الأشياء هل واجهها, قد يُخطئ والمخطئ له أجر والمصيب له أجران لا مشكلة أن يخطئ ولكن المشكلة إن هرب منها وكان خائفاً مرعوباً لجأ إلى الجمع وتحليل ما جمعه بمعايير سطحية جداً, ثمّ يجعل الرسالة رسالة الماجستير أو الدكتوراه للمناقشة ويُدعى لها الأصدقاء والأحباب ويناقش وينال درجة الامتياز أو الشرف عند ذلك تحدث المصيبة, ومن أمثلتنا على ذلك: انظروا إلى هذا المعيار "كل شاعر مشهور" هل هذا معيار سطحي أم عميق لا نقول عنه سطحي ولكنّه أقرب إلى السطحية هو ليس سطحي بالمطلق؛ لأن معيار الشهرة يحتاج إلى مجموعة ركائز ينبغي أن أتبينها حتى أعرف المشهور عند مَن, عند الناس أم عند العلماء أم عند الخلفاء أم عند النقاد أم عند الشعراء إلى آخره.
فمعيار الشهرة غير مضبوط مئة بالمئة؛ عند ذلك أقول هو أقرب إلى السطحية في حين أنني أقول: كل شاعر جيّد الشعر, هذا مقياس عميق جداً يحتاج مني إلى معرفة العلم بالشعر ونقد هذا الشعر.
السمة الثالثة الدقّة أو الخروج عنها
هل كان الباحث في هذا البحث دقيقاً جداً, أم لم يكن كذلك, أناقش مع الباحث كلّ مثال جزئي ذهب إليه فأعرف هل كان يناقش هذا المثال وفق هذا المعيار بطريقة دقيقة مئة بالمئة, أو أنه كان لا يخرج عن المعيار أو يلوي أعناق النصوص, يقفز على الكلمات الواردة في سياق الخبر النقدي أو الخبر الأدبي.
السمة الرابعة هي الشمول أو عدمه
إن الباحث في معاييره التي وضعها لا يمكن أن يشمل كل المادة العلمية؛ فالمعايير التي وضعها هل تشمل كل المادة العلمية أو أنها لا تصدق على كل المادة العلمية التي جمعها, بمعنى استكمل كل ما يلزم هذا المعيار أم لم يستكمل كل ما لزم هذا المعيار هنا.
نكمل في محاضرة قادمة إن شاء الله تعالى, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
والنقد بالاختيار : أن يختار الناقد مجموعة من النصوص الأدبية ويخفي عنا القواعد التي اختار على أسسها هذه النصوص مثل المفضليات والأصمعيات فاستبعد نصوصاً وقرب نصوصاً فهذا نقد بالاختيار ، فلو قلنا لأحدهم لم اخترت مثلاً قصيدة الأعشى وتركت قصيدة زهير مثلاً فهو اختار قصيدة ونفى أو استبعد قصيدة أخرى فهو نقد بالاختيار .
نحن ماذا نريد ؟ نريد قواعد كلية قرارات توصلنا إليها بعد أن حللنا مجموع القصائد التي اختارها الأصمعي مجموع القصائد التي اختارها المفضل الضبي ، حللناها توصلنا إلى قرارات .
المادة العلمية توصلت بشكل عام إلى أن النقاد :
يعتمدون على أساس قدم النص الأدبي لتفضيله ، هذه قاعدة كلية مثلاً توصلنا إليها بعد أن حللنا عشرات القصائد وجدنا أن النسبة الكبرى منها لشعراء جاهليين ، فبعد التحليل استنتجنا أن النقاد يعتمدون قدم النص الأدبي لتفضيله.
هذا الكلام كله افتراضي نحن نفترض هذه الأشياء من أجل التوضيح بما يتصف هذا الحكم ؟
يتصف بأنه :
1 – شامل .
2 – دقيق .
3 – يستند إلى تحليل .
4 – يستند إلى برهان إلى دليل عليه ، فلو جاء أحدهم ليناقشني في هذا الحكم الذي وصلت إليه ليقول لي كيف تقول هذا الكلام ؟ وعدد شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي عند الأصمعي أكثر من الشعراء الجاهليين؟ عند ذلك يتخلخل هذا الحكم لا يثبت أمام الحجج ، فمن سمات الحكم الذي أصل إليه في الاستنتاج أنه :
1 – شامل .
2 – دقيق .
3 – يستند إلى تحليل .
4 – يستند إلى برهان .
5 – قابل للقياس بمعنى أستطيع أن أبرهن عليه بسهولة .
6 – أن يتمتع بالصدقية أي مطابق للعينة التي درس فيها مطابقة واقعية .
7- أن يتمتع بالثبات أي ثابت النتائج .
فإذا تحققت فيه هذه الصفات كان الحكم صواباً ، فإذا أصاب إحدى هذه الصفات: السلب أو الغلط أو عدم الدقة فعند ذلك نقول إن هذا الحكم لا يثبت أمام البحث وأمام الدلائل التي نذهب إليها أو نستنبطها من النصوص الأدبية أو من النصوص التي هي عينة البحث.
نريد أن نأخذ حكماً افتراضياً آخر مثلاً نقول :
النقاد اعتمدوا أساس فحولة الشعراء لاختيار النصوص .
أيضاً هذا الحكم شامل ودقيق يستند إلى تحليل ويستند إلى برهان ودليل لابد من توافر ذلك الاستنتاج نصل إليه من خلال البحث .
تنبيه إن أي بحث يخلو من نتائج لا قيمة له على الإطلاق فهو بحث ضعيف لابد لكل بحث من أن يصل إلى غايته ومبتغاه .
أيضاً : أنهم يعتمدون أساس غرض المدح والرثاء أكثر من غيرهما لاختيار النصوص مثلاً هذا يفترض أن من خرج بهذه القاعدة أنه أجرى الاستقراء المطلوب ثم حلل فوجد أنهم جعلوا غرض المدح والرثاء أساساً لاختيار النصوص أكثر من غيرهما من الأغراض الآن إذا نظرنا إلى هذه الاستنتاجات سنجد أنها يمكن أيضاً أن نخرج منها بشيء أكثر شمولية عندما نقول : النقاد يعتمدون على أسس محددة في اختيار الاختيار .
عندما نقول مثل هذا الكلام فهو أكثر شمولية .
لابد في كل واحد من هذه الاستنتاجات التي أتوصل إليها أن يكون قابلاً للقياس أي أبرهن عليه بسهولة أو أدلل عليه فهو أمر ليس معقداً , البرهنة عليه ليس أمراً معقداً، في حين أن الأشياء الشاملة أكثر تخف درجة المقايسة فيها .
ينبغي أن يتمتع بالمصداقية أن يطابق للعينة التي درس فيها مطابقة واقعية فمن الحماقة أن أصل إلى استنتاج من غير عينة مدروسة فأقرر مثلاً أشياء وأنا لا أبني هذه القرارات أو الأحكام على عينة مدروسة محللة تحليلاً منطقياً .
وأيضاً ينبغي أن يتمتع بالثبات أو المقصود بذلك هو أنني على أي مادة مشابهة أطبق عليها هذا الحكم فإنه ثابت أي ثابت النتائج أي مادة مشابهة ليست من عينة الدراسة طبقت عليها هذا الحكم فإنه سوف يعطيني النتائج ذاتها عند ذلك أقول إنه يتمتع بالثبات .
لو ذهبتم إلى مكتبة الدراسات العليا و فتحتم رسائل الماجستير والدكتوراه لوجدتم العجاب ولدهشتم اندهاشاً هائلاً من أن كثيرين من الطلاب لا يتقنون الوصول إلى مرحلة الاستنتاج فإن وصلوا إلى مرحلة التحليل فبجهود في الغالب من أساتذتهم إلا إذا كان الطالب مبدعاً وروح الإبداع تحفزه على العمل والدأب في كل حين :
الطالب المبدع هو الذي يصل إلى أحكام لا يمكن دفعها ، يعطي للقارئ انطباعاً بأنه مسيطر على المادة العلمية التي جمعها وأنه قد حللها تحليلاً منطقياً جيداً وأنك يصعب أن تجد مثالاً من غير ما جمعه ينفي حكماً من أحكامه ، الباحث المبدع يحكم السيطرة على مادته العلمية فيحللها التحليل الصحيح و يتوصل إلى أحكام يصعب دفعها بأمثلة ليست من مادته العلمية التي جمعها .
الباحثون الجيدون ماذا كانوا يصنعون ؟ كانوا يميلون إلى الاستقراء التام لماذا ؟ حتى لا يأتي مثال من الأمثلة فينبني حكم من الأحكام التي توصلوا إليها مثلاً : شعر تغلب أو شعراء تغلب في الجاهلية والإسلام حتى بداية العصر الأموي مثلاً وتغلب قبيلة من القبائل ، الباحث ماذا سيصنع هنا ؟ عليه أن يجمع شعر تغلب وأن يحلله وأن يتوصل إلى نتائج ، لكن بحثه ليس معنياً بالدراسة كعنايته بالجمع فهو يريد أن يقدم ديواناً – ديوان شعر قبيلة تغلب – مثل هذا الباحث عليه أن يستقري كل المكتبة العربية وكلمة كل كلمة ليس مبالغاً فيها فعليه أن يخوض في كل الكتب وأن يصنف الكتب ، كتب النحو ، كتب الأخبار ، كتب الأدب ، كتب التفسير كل أنواع المكتبة العربية سوف يذهب إليها كتاباً كتاباً ويقرأ كل كتاب ويجمع ما في هذا الكتاب لشاعر من شعراء تغلب في الجاهلية والإسلام فهو عمل كبير جداً لكن بعض الباحثين بعض طلاب الدراسات العليا صنعوا مثل هذا العمل واستطاعوا أن يجمعوا كل المكتبة العربية القديمة وأن يجمعوا منها الأبيات وأسماء الشعراء والأخبار المتصلة بهؤلاء الشعراء وبهذه الأبيات بكتابهم أو في رسائلهم .
أريد منكم بعد أن أخذنا منهج الاستقراء ومنهج التحليل ومنهج الاستنباط أو الاستنتاج أن تفكروا في هذا المنهج ( المنهج البنيوي ) ومنهج الاستقراء وما أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينهما .
أولاً – ما معنى المنهج البنيوي : المنهج الذي يدرس بنية النص .
لدينا المنهج الأسلوبي والمنهج النفسي – المنهج التفكيكي – منهج البلاغيين الجدد هل سمعتم بكل هذا ؟
سأذكر الآن كلاماً مهماً وهو أن كثيراً من الباحثين والدارسين والأساتذة في رأيي أنهم يخطئون أو يتجوزون في إطلاق كلمة مصطلح المنهج على أشياء غير الاستقراء أو التحليل أو الاستنتاج كيف يتجوزون ؟ يقولون المنهج البنيوي ويذهبون إلى قصيدة من القصائد فيدرسون بنية النص ، مما تتألف النظام التركيبي والنظام النحوي والصرفي والدلالي لهذا النص يدرسون هذه المستويات ويقولون إننا ندرس وفق المنهج البنيوي .
الحقيقة أننا تجوزاً يمكن أن نسمي هذا بالمنهج البنيوي تجوزاً لكنه ليس منهج بحث ، هذا اتجاه في الدراسة والمقصود بالاتجاه في الدراسة أنني مع مجموعة منكم مثلاً أنشأنا نظرية لتناول النص الأدبي سميناها معاً ( النظرية البنيوية ) التي تبحث في نظام النص من جهة النحو ومن جهة الصرف مثلاً أو الصوت أو من جهة الدلالة الخ . . . . أنشأنا نظرية معاً لكننا لا نستغني على الإطلاق عن الاستقراء ثم التحليل والاستنتاج، عندما أحلل هذا النص الأدبي الذي أدرسه ماذا أصنع ؟
ألجأ إلى واحد من هذه فأستند عليها في صياغة معايير التحليل للنص الأدبي الذي أدرسه أستند إلى البنيوية ومعطياتها .
فأقول : عندما أحلل نصاً أدبياً إنني أحلل هذا النص بالنظر إلى نظامه التركيبي بالنظر إلى نظامه الصوتي بالنظر إلى نظامه الدلالي عندما أضع هذه المعايير التي تستند إلى علم من العلوم إلى حقل نقدي ما كالبنيوية والتفكيكية والبلاغيين الجدد والمنهج النفسي والنقد الاجتماعي الخ . . . .
فإنني أستقي منها معايير التحليل وأدفع بحثي دفعاً إليها فاتجاهي في الدراسة بنيوي لكن مناهجي في البحث هي الاستقراء ثم التحليل ثم الاستنتاج .
اتجاهي في الدراسة تفكيكي أو نفسي أي أنا أدفع بحثي في الميدان النفسي إلى الاتجاه الأسلوبي ولكن مناهجي في البحث هي الاستقراء ثم التحليل ثم الاستنتاج .
فعندما أقول المنهج البنيوي فهذا شيء من التجوز هو الاتجاه البنيوي في الدراسة تقبل المنهج البنيوي على أنه طريقة في الدراسة ، طريقة في التصنيف وليست منهجاً بحثياً قائماً والدليل على ذلك أنني يستحيل أن أطبق المنهج البنيوي على نص أدبي ويأتي زيد من الناس ليطبق المنهج البنيوي على النص ذاته فيخرج بالنتائج ذاتها فيختلف من باحث إلى باحث يختلف بحسب قدرات الباحث في طريقته في تطبيق البنيوية على النص الأدبي ذاته لذلك تختلف معطيات الدراسة ، عند ذلك أقول إن البنيوية اتجاه في الدراسة تجوزاً أقبل أن تسمى منهجاً لكنها ليست منهج بحث حقيقي .
الآن ما ميدان الدراسات التي يمكن أن يدرسوها في الدراسات العليا ؟ ماذا تدرسون في الدراسات العليا ؟ تتخرجون بمعدلات عالية تبتسمون للحياة تذهبون إلى آبائكم وأمهاتكم فيفرحون بكم كثيراً ثم تأتون إلى الجامعة تقررون أن تسجلوا دراسات عليا في الجامعة والابتسامة تعلو وجوهكم ثم تختارون واحداً من الميادين :
1- النقد والبلاغة .
2- الدراسات الأدبية .
3- الدراسات اللغوية
إحدى هذه الميادين الثلاثة فإذا اخترتم واحداً منها ينبغي أن تكملوا فيه السنة الأولى من الماجستير ثم رسالة الماجستير ثم الدكتوراه وبعد ذلك تفرحون بعد المناقشة .
1- النقد و البلاغة : ماذا تدرسون فيه ؟ كل ما له صلة بالنقد قديماً وحديثاً وكل ما له علاقة بالبلاغة ، والمدارس النقدية ، المذاهب النقدية وهكذا .
2- الدراسات الأدبية ماذا تدرسون فيها ؟ الأدب في العصور المختلفة في الجاهلية في صدر الإسلام في العصر الأموي في العصر العباسي في المملوكي في الحديث ، كل ذلك تدرسون تاريخ الأدب و تجرون دراسات لنصوص أدبية ، وتدرسون الأدب عند غير العرب كالأدب و النقد في الغرب ، وتدرسون الأدب المقارن ، وكل ما يتصل بذلك .
3- أما في الدراسات اللغوية فتدرسون : فقه اللغة ، علم اللغة ، اللسانيات ، النحو والتصرف ، المعاجم ، العروض ، كل هذا تدرسونه في الدراسات اللغوية .
والجيد للطالب بعد السنة الرابعة أن يقرر في أي ميدان سيتخصص وإذا قرر جيداً فإنه سوف يفلح سوف يحسن في إنجازه للأبحاث المطلوبة منه في الميدان الذي تخصص فيه فإذا لم يحسن الاختيار فاختار الأشهر شهرة وسمعة أولاً فلان اختاره أو أو كل هذه الأشياء تذهب ولا يبقى عند الإنسان إلا العلم الحقيقي .
- نحن الآن سنختار من كل ما تقدم شيئاً واحداً هو دراسة النص الأدبي ونتبين كيف يدرس النص الأدبي في بحث ماجستير أو دكتوراه ( ) فالبسيط هو كما تجدون في كتب المراحل الإعدادية و الثانوية : مناسبة النص ، شرح المفردات ، الأفكار الرئيسية ، شرح النص اختيار بعض الأشياء التي لها علاقة و الصور والاستعارات والبحر الشعري لهذا النص هذا من أبسط أنواع أو مراحل دراسة النص الأدبي .
لكن الباحث في الدراسات العليا لابد أن يتزود أكثر بطرائق أكثر احترافية وأكثر عمقاً في تناوله للنص الأدبي ، وما أذكره هنا من مراحل دراسة النص الأدبي يمكن للباحث أن يتلاعب به بطريقة أنه يستبعد منه ما لا علاقة وثيقة له ببحثه فأحياناً بعض الباحثين لا تعنيهم على الإطلاق مناسبة النص الأدبي أو لا يعنيهم على الإطلاق توثيق هذا النص الأدبي فيستبعدونه من مراحل دراسة النص الأدبي .
الآن عندي نص هذا النص مثلاً : هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم . . . .
- قصيدة عنترة المشهورة عندي هذا النص و أريد أن أجري عليه دراسة أدبية احترافية ماذا سأفعل ؟ أولاً :
1- ضبط النص :
ينبغي أن أعرف أن النص الذي أمامي إنما هو النص الذي قاله صاحبه على هيئته بحركاته وسكناته من أوله إلى آخره .
2- توثيق النص :
ما أدراني أن هذه القصيدة لعنترة ما أدراني أن أبياتاً في هذه القصيدة قد دخلت عليها من قصيدة أخرى فلا بد لي من أن أوثق النص والتوثيق منهج أو طريقة ينبغي أن نعرفها وهي :
آ- أن أعتمد الكتب الأعلى في الرواية .
ب- الرواية عند أعلام الرواة .
ح- الكتب الأصلية في جمع النصوص الأدبية، لا أذهب إلى الكتب مثلاً التي طبعت طباعة سيئة ولم يعتن بتحقيقها الخ . . . .
فهذا المنهج متكامل في توثيق النصوص وله طريقة معروفة ، بعد الضبط والتوثيق ماذا أصنع ؟
3- فهم النص وفق دلالته الأولية:
و لفهم النص لا بد لي أن أشرح مفرداته أن أحل مشكلة نحوية في هذا النص توجه دلالة أحد الأبيات أو مجموعة من الأبيات في هذا النص .
4- بيئة النص:
ويشمل:
- قائله.
- المكان .
-الزمان.
- المناسبة.
- أخبار أدبية.
- أخبار تاريخية متعلقة بالنص .
كل هذا كما تجدون ليس له علاقة بالدراسة الأدبية الحقيقية للنص إنما هو عمليات خارجية مكملة متهيئة للباحث من أجل أن يجد دراسة أدبية جيدة مبنية على أصول متينة بعد أن أصبح كل هذا نقول : الآن سنبدأ بالدراسة الأدبية لهذا النص .
ماذا سيصنع في دراسته الأدبية ؟
5- يعتمد اتجاهاً تحليلياً لهذا النص:
فعليٌ مثلاً من أنصار البنيوية ، يقول بعد أن تهيئ لي هذا الذي بين يدي فأنا سأختار الاتجاه البنيوي في دراسة هذا النص الأدبي ، نقول له لك ما تحب . فيقول : أنا سأختار المستوى التركيبي لهذا النص ، سوف أدرس المستوى الصوتي لهذا النص ، سوف أدرس المستوى الدلالي و المصاحبات اللغوية .
والمعجم الدلالي والمعجم البيئي في هذا النص ، نقول له لك ما تحب .
طالب آخر يقول :
أنا ضد البنيوية أنا ثائر على البنيوية نقول له لك ما تحب .
ما الاتجاه النقدي الذي ستتبعه ؟
يقول لي أنا أحب علم النفس و سأتبع المنهج النفسي فنقول له :
لك ما تحب ، فيتابع النص من وجهة نظر علم النفس فيعرف نفس قائله كيف تأرجحت فيه بين الثقة والصعب ، مثلاً الذي يحمل إشارات ودلالات نفسية هذا الذي يُعنى به هذا الطالب ، يعني لا بد بعد أن ينجز ذلك من اعتماد معايير للدراسة الأدبية .
ويمكن للباحث أن يطرق النص من أكثر من اتجاه نقدي أكثر من زاوية نقدية .
فباحث يطرقه من جهة التناص يقول :
أنا أريد أن أبحث عن التناص في هذا النص الأدبي نقول له لك ما تحب .
و من خلال هذا أنتم تجدون أن أهم عناصر الدراسة الأدبية هو اختيار الاتجاه النقدي الذي ندرس من خلاله الأدب .
التناص : هو المشاركة في النص الأدبي والمشاركة لها أبعاد كثيرة كالسرقات:
شاعر يقول شيئاً فيأتي شاعر آخر فيتكئ على هذا الشاعر إما يسرق النص بحرفيته أو يأخذ منه أشياء ويبني عليها الخ . . . . .
إذاً هنا ماذا نقول ؟
اعتماد و معايير وهذه المعايير تتصف بماذا ؟
باتجاه نقدي في الدراسة ، اختيار الاتجاه النقدي
ماذا اخترت؟
اتجاهاً نقدياً فإنني سأدفع بكل ما سأقوله حول هذا النص إلى ميدان هذا الاتجاه أستفيد مما قاله أعلام هذا الاتجاه وأستفيد من طرائقهم في التحليل أطلع على إنتاجهم ثم أجعل خلفية لي وأنا أدرس هذا النص الأدبي .
- في كتب الثانوية والمراحل الأولى لا يصلون إلى هذا يتوقفون عند الرابع ولا يصلون إلى هذا ، من فهم النص معرفة صورة وشرحه ومفرداته و أفكاره وأخليته و بلاغته كل ما فيه من بلاغة من شواهد على البلاغة كل هذا يساعد في فهم النص .
لكن الدراسة الأدبية الحقيقية أين تكون في اعتماد المعايير وهي التي توصلني إلى نتائج في المنهج الاستنتاجي أيضاً .
6- مقارنة النص بغيره من النصوص:
لكن بشرط ما هو ( في ضوء الاتجاه النقدي الذي اخترته )
كل مقارنة على غير هذا الأساس هي مقارنة عبثية ، لكن تكون جيدة وتسهم في تحقيق نتائج البحث إذا كانت في ضوء الاتجاه النقدي الذي اخترته .
7- أقارن النص بغيره من نصوص الامم الأخرى :
إذا كان ثمة تشابه فيما بينهما في وجه من الوجوه أيضاً ( في ضوء الاتجاه النقدي الذي اخترته ) وإذا كان على غير هذا فلا قيمة لهذه المقارنة – بعد ذلك ماذا أفعل ؟
8- النتائج أو القرارات الإستراتيجية أو الأحكام الكلية:
والتي سوف أطلقها على هذا النص الأدبي عند ذلك أقول أنني قد أنهيت مهمتي على أحسن وجه .
وأعود لأذكر بأول الحديث عن خطوات الدراسة أن الباحث يتلاعب بهذه المراحل فيحذف بعضها ، أحياناً بعض الباحثين ليس بحاجة إلى هذه المرحلة لا قيمة لها عندهم فينفيها من بحثه كليةً بأنها لا علاقة لها أو ليس هو معنياً بالنتائج التي يمكن أن يصل إليها من خلال المقارنة ، فكل بحث مختار يختاره الباحث يحكم كل نص أدبي و طريقة دراسته بحكمها
تقسيم الرسائل الجامعية (الماجستير – الدكتوراه)
قلنا بأن الباحث لا بُدّ له من أن يمر بمناهج البحث الآتية:
1- المنهج الاستقرائي.
2- المنهج التحليلي.
3- المنهج الاستنباطي أو الاستنتاجي.
حتى يكون بحثه مستوياً.
وقلنا: إن الباحث في التحليل سوف يلجأ إلى النظريات النقدية المختلفة التي تتناول النصوص إذا كان بحثه دراسةً أدبية عن نصٍ من النصوص.
فأنا في التحليل لا بد لي من أن أضع مجموعة من المعايير أو المذاهب النقدية التي أستند إليها في مجال التحليل، فإذا كنت من أنصار البِنيويّة فإنني سوف ألجأ إلى البِنيوية من أجل أن أستقي منها معايير لتحليل نص أدبي أدرسه أو ظاهرة ما أدرسها، وإذا كنت من أنصار التفكيكية فإنني سوف ألجأ إليها، وإذا كنت من أنصار النقد القديم فإنني سوف ألجأ إلى نظريات النقد القديم من أجل أن أحلل نصاً من النصوص.
في الدورة الماضية من الامتحان جاء السؤال على النحو الآتي:
اخترتَ موضوع التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي بحثاً لنيل الماجستير، والمطلوب:
اكتب مخططاً افتراضياً لهذا الموضوع، واقترح معايير افتراضية لتحليل مادتك العلمية التي جمعتها لها.
هذا نص سؤال في امتحان، ولم يُجِبْ عليه أكثر من عشر طلاب فقط، ولا أدري لِمَ لم يجيبوا! مع أنّ ثلث المحاضرات تذهب من أجل هذه القضية.
المطلوب هنا شيئان:
1- مخطط الموضوع.
2- معايير افتراضية لتحليل المادة العلمية المجموعة.
1- مخطط الموضوع:
لهذا الموضوع مخطط، وهذا المخطط ينتمي إلى هذا العنوان، فينبغي أن أكتب المخطط بالنظر إلى هذا العنوان.
ما المطلوب مني هنا؟
التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
من يقترح مخططاً لهذا الموضوع؟
اقتراح أحد الطلاب:
- تعريف الأسطورة.
- معنى التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
- جمع الشعر الذي يتحدث عن الأسطورة في الجاهلية.
- الآراء النقدية التي وردت عن التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
- الموضوعات التي كَثُرَ فيها استخدام الأسطورة في الشعر الجاهلي.
- أمثلة للتفسير الأسطوري للشعر الجاهلي.
- الآراء النقدية التي وردت عن الشعر الجاهلي.
الدكتور يقول:
لو جاء مثل هذا الجواب على ورقة الإجابة فإنه سوف ينال درجة الصفر.
وفي الدورة الامتحانية الماضية وضعت 15 درجة فقط للسؤال حرصاً على أن ينجح الطلاب لكن ربما لو جاء مثل هذا السؤال في امتحان هذه الدورة ستكون العلامة أكثر بكثير.
الذي أطلبه من الطالب للإجابة عن مثل هذا السؤال هو أن يكون منطقياً، وأن يبدي كثيراً من معالجته المنطقية للمسألة التي تَعْرِضُ له، هذا هو الهدف من مثل هذا السؤال.
السؤال ماذا يقول؟ التفسير الأسطوري في الشعر الجاهلي.
الدائرة الأولى ما هي؟
الشعر الجاهلي
الدائرة الثانية: ما هي؟
التفسير الأسطوري
هذا هو المطلوب.
من فسّر الشعر الجاهلي تفسيراً أسطورياً؟
هل هم الجاهليون؟
هل هم علماء الإسلام القدماء؟.... الخ.
الذين فسّروا الشعر الجاهلي تفسيراً أسطورياً هم الدارسون المحدَثون.
إذاً ما موضوع بحثي؟
هو التركيز على ما صَنَعَهُ الدارسون المحدَثون من تفسير أسطوري للشعر الجاهلي.
مقولتي من هذا البحث هي: إظهار جهود الدارسين المحدَثين في تفسيرهم الأسطوري للشعر الجاهلي.
ما مادتي العلمية لهذا البحث؟
الشعر الجاهلي ليس هو مادتي العلمية لهذا البحث.
مادتي العلمية هي: أبحاث هؤلاء الدارسين مما هو تفسير أسطوري للشعر الجاهلي.
إذاً عرفت مقولتي التي سأسعى لها من خلال هذا البحث.
وعرفت أيضاً أنّ مادتي العلمية ليس الشعر الجاهلي، وإنما أبحاث هؤلاء الدارسين.
سؤال:
أبحاث هؤلاء الدارسين، هل المقصود كل أبحاث هؤلاء الدارسين؟
لا، بل أبحاث هؤلاء الدارسين مما هو تفسير أسطوري للشعر الجاهلي.
وأنا أجمع المادة العلمية لهذا البحث، ماذا سأصنع؟
سوف أضعها في بطاقات، وهذه البطاقات ينبغي أن تكون معنونةً بعنوان للبطاقة وذِكْرٍ للمصدر الذي عُدتُ إليه وأخذتُ منه المعلومة التي تتعلق بهذا البحث، ثم المادة المستشهد بها، ثم تعليقي (تعليق الباحث على هذه المادة العلمية التي أخذها).
فهذا هو المطلوب وأنا أجمع المادة العلمية.
العنوان: أسطورة فراق طائر الحمام
المصدر: شوقي ضيف / الشعر الجاهلي / ص322
المادة العلمية التي يُستشهد بها: (فأنا هنا أجمع وأنقل مادة علمية من المصدر تحت هذا العنوان) وقد رأى الباحثون أن الأسطورة العربية التي رسخت في الأذهان أنّ الحمام كان يعيش زوجَين اثنين وأنّ الدهر قد فرّق بينهما، وأنّ كل واحدٍ منهما يبكي على صاحبه.
تعليقي: هذا الرأي وردَ عند (طه حسين) و (العقّاد).... انظر كذا...
وهناك اتفاق عليه (لم يخالف أحد هذا الرأي).
هذا النموذج لبطاقة
طائر الحمام: إنّ الحمام كان يعيش زوجَين زوجَيْن، وأنّ الدهر قد فرّق بينهما، هكذا تقول الأسطورة، وأنّ كل واحدٍ منهما ينوح على صاحبه، فعندما نسمع هديل الحمام فهذا بكاءٌ من الذكر على الأنثى، ومن الأنثى على الذكر.
بعد الاستشهاد بالمادة العلمية من هذا المصدر، لو وُجِدَ عندي تعليق على هذا النص، فلا ينبغي أن أتركه إلى ما بعد بل يمكنني أن أجعله مباشرةً بعد المادة العلمية المستشهدَ بها كما هو في المثال (البطاقة الافتراضية).
وعندما تتجمع عندي البطاقات سوف أشرع في كتاب البحث.
الآن ما مطلوب مني؟
المطلوب: المخطط الافتراضي لهذا الموضوع.
عرفتُ مقولتي، عرفتُ مادتي العلمية، المطلوب مني: أن أبحث عن مخطط، والمخطط نوعان:
1- مخطط أوّلي للبحث:
أضعه في بداية البحث، وهذا المخطط لِمَ هو أوّلي؟ لأنني لم أطّلع على المادة العلمية جميعها قبل أن أشرع في البحث.
أضع مخططاً، هذا المخطط هو أقرب للصواب: أبحث وأحلل وأستنتج، ثُمّ أعدِّل تعديلات طفيفة في هذا المخطط ويصبح هذا المخطط نهائياً.
2- مخطط نهائي للبحث:
المخطط قبل مرحلة الصياغة (صياغة الرسالة).
قبل أن أكتب المخطط عليّ أن أعرف طريقة تقسيم الرسائل الجامعية:
أصغر وحدة في الرسالة هي الكلمة.
مجموع الكلمات يشكل جملة.
مجموع الجمل يشكل فِقْرة.
مجموع فقرات يشكل مَبْحَثَاً: له عنوان واضح.
مجموع المباحث يشكل فصلاً: له كيان مستقل (وحدة من الوحدات) يرتبط بما قبله وما بعده، لكنّه مادة علمية شبه مستقلة.
مجموع الفصول يشكل باباً: له عنوان وكيان مستقل.
مجموع الأبواب يشكل قِسماً: له كيان مستقل.
مجموع الأقسام يشكل الرسالة.
يمكن للباحث أن يستغني عن الأقسام وعن الأبواب، ويبدأ مباشرةً بالفصول:
إذا وَجَدَ أنّ مادته العلمية لا تحتمل أن تكون أبواباً وأقساماً، فيمكن لرسالة من الرسائل أن تكون من أربعة فصول، ويمكن أن تكون في بابين: كل باب في ثلاثة فصول، وهكذا...
إذاً أصغر الوحدات في الرسالة: الكلمة، ثم الجملة، ثم الفقرة، ثم المبحث، بعد ذلك يبدأ الفصل، ويبدأ بعده الباب، ثم القسم: هذه هي الرسالة كاملة، وهذا هو التقسيم الذي يعرفه كل الباحثين، ينبغي أن يكون هذا في الذهن.
إذا طلبتُ في الامتحان مثل هذا السؤال، فالمطلوب من الطالب أن يحدد أنه قَسَمَ الرسالة إلى فصول مثلاً، أو قَسَمَ الرسالة إلى أقسام في كل قسم بابان أو أكثر، وفي كل باب فصلان أو أكثر، في كل فصل مباحث.
فإذا جاءني في الامتحان في ورقة الإجابة عناوين منثورة كالاقتراح السابق عند ذلك سينال صاحبها درجة الصفر.
لِمَ؟
لأنه لا يعرف تقسيم الرسالة الجامعية.
الآن نأتي إلى:
التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي:
هذا البحث يمكن أن يكون أقساماً – يمكن أن يكون أبواباً- يمكن أن يكون فصولاً.
إذا وجدتُ أنّ المادة العلمية قليلة فإنني أستغني عن الأقسام – أستغني عن الأبواب، أبدأ مباشرةً بالفصول.
أقسِمُ الرسالة مثلاً إلى:
فصل أول.
فصل ثانٍ.
فصل ثالث.
يسبق ذلك المقدّمة ويتلو ذلك النتائج، ولا بُد لي من عناوين لهذه الفصول.
في مثل هذا السؤال في الامتحان، المطلوب عناوين الفصول.
فيكتب الطالب على النحو الآتي:
1- المقدمة.
2- الفصل الأول: عنوان.
3- الفصل الثاني: عنوان.
4- الفصل الثالث: عنوان.
5- النتائج:
ينبغي أن يكون هذا واضحاً وضوحاً تاماً في أذهان الجميع.
العناوين التي سوف أختارها على هذا الهيكل هي التي تعطي الدرجات، لكن إذا لم يكتب شيئاً على الإطلاق فلن ينال شيئاً، فهذا التقسيم يساعد ولو كتب أشياء خاطئة (له جزء من الدرجة) وتذكّروا أني ذكرتُ في السؤال كلمة (افتراضياً).
ما معنى كلمة (افتراضياً)؟
أنني لن أحاسب الطالبة محاسبة دقيقة على صحة ما ورد هنا إلا بقدر خروجه كليّاً عن الموضوع.
فإذا كتب لي مثلاً: عناوين لا علاقة لها بالموضوع، عندئذٍ لا ينال الدرجة.
افتراضياً:
مثلاً:
الفصل الأول:
نظريات في تفسير الشعر الجاهلي.
أو تفسيرات الشعر الجاهلي.
أو مذاهب النقّاد في تفسير الشعر الجاهلي.
(أريد أن أستعرضها بإيجاز، من أجل أن أعرف مكانة التفسير الأسطوري بين هذه المذاهب، وتذكّروا أن هذا الأمر افتراضي).
الفصل الثاني: اتجاهات النقّاد المحدَثين في التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي (إلى أين ذهبوا في هذا التفسير).
الفصل الثالث: مصادر النقّاد في التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي (من أين استقوا مادتهم التي استندوا إليها في إسقاطها على الشعر الجاهلي، هل الأسطورة اليونانية القديمة؟ هل الأسطورة الغربية الحديثة...؟ لا بُدّ أن لديهم مجموعة من المصادر وهم يفسّرون الشعر الجاهلي تفسيراً أسطورياً).
وأكتب الفصل الرابع والخامس... وهكذا.
إذا زادت الرسالة عن خمسة فصول يُستحسن أن أنطلق إلى تقسيمها إلى أبواب.
ماذا أكتب في مقدمة البحث أو الرسالة؟
سؤال الدكتور: ماذا يوجد عادةً في المقدمة؟
طالب يجيب: تمهيداً عن الموضوع.
الدكتور: لا، ليس تمهيداً للموضوع، التمهيد شيء والمقدمة شيء آخر، التمهيد يتلو المقدمة وليس هو المقدمة على الإطلاق.
في المقدمة ما يلي:
1- عنوان البحث:
يتضمن مقولة البحث: هذا بحث في التفسير الأسطوري في تفسيرات النقّاد المحدَثين الأسطورية للشعر الجاهلي، وينبغي أن يكون هذا واضحاً تماماً.
2- مشكلة البحث:
البحث يطرح إشكالية ما وهو يريد أن يدرسها، فينبغي أن تكون هذه الإشكالية واضحة ومن الممكن أن نسميه أيضاً: أسباب اختيار البحث.
3- أهداف البحث وأهميته:
(إلى أي مدىً هذا البحث مهم، نبغي أن يكون هذا واضحاً).
4- الدراسات السابقة التي تناولت موضوع البحث:
(وهنا أشير إليها بإيجاز وإلى الثغرات التي وردت فيها، والتي عليَّ أن أتلافاها في بحثي) فأقول مثلاً: وقد سبقني إلى هذا البحث مجموعة من الدارسين وهم: محمد عبد المطلب في بحثه التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي: سَبقني إلى هذا، وبحثه كذا وكذا (أقوم بتقويم بحثه: ما له وما عليه).
5- مصادر البحث (لا نذكر أسماء مؤلّفات):
يعني: في البحث عن التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي: ما ملامح مصادر مادتك؟ هل هي الشعر الجاهلي؟ هل هي دراسات النقّاد القدماء؟.... الخ.
تقول هنا: ومصادر هذا البحث إنما هي دراسات النقّاد المحدَثين الذين تناولوا الشعر الجاهلي في التفسير الأسطوري (ملامح المكتبة التي ستعود إليها في أثناء البحث / مصادر البحث).
6- مخطط الرسالة: ومخطط الرسالة هنا إجمالي:
يعني تقول: وقد قسمتُ هذا البحثَ إلى خمسةِ فصول: الفصل الأوّل يتناول كذا، والفصل الثاني يتناول كذا، والفصل الثالث يتناول كذا، والفصل الرابع يتناول كذا، والفصل الخامس يتناول كذا....
وقد رأيت أنّ من ضرورات البحث – لضخامة المادة العلمية لهذا البحث – أن أقسِّمَه في أبحاث، وأن أجعل في الباب الأول ثلاثة فصول: الفصل الأول يتحدث عن كذا، والفصل الثاني يتحدّث عن كذا، والفصل الثالث يتناول كذا.
فمخطط الرسالة هنا إجمالي ولا أضعه بشكلٍ مفصّل كما هو في الفهارس.
7- صعوبات واجهَتْ الباحث مثل: ندرة المصادر أو أنّ بعض المصادر مخطوطة، وأن الباحث لم يتمكن من الحصول على هذه المخطوطات لأنها في إسبانيا، أو في تركيا، أو في أي مكان من العالم، فأي صعوبة يمكن أن تعترض الباحث عليه أن يذكرها هنا في مقدمة البحث.
8- المنهج الذي سيتّبعه الباحث في هذا البحث، والمنهج يتناول ما يلي:
- تحديد البحث أو البحث العام (استقراء تام، أو ناقص، أو موسَّع).
- ثم تحديد الاتجاه النقدي المستخدَم في التحليل.
ويجب أن يكون لكل باب مقدِّمة وخاتمة، كما أنّ هناك نتائج عامة للرسالة تصدر في نهايتها.
ملاحظة هامة:
لو جاءكم في الامتحان: اكتب مقدّمة مختصرة لبحث بعنوان: صورة المرأة في شعر صدر الإسلام، تكتبون صفحة في الامتحان حسب الموضوع الذي سيأتي.
ينبغي أن يكون الكلام مؤتلفاً بعضه مع بعض.
مثلاً: موضوع هذه الرسالة دراسة شعر أبي الطيب المتنبي، أو استعراض آراء النقّاد القدماء والمحدثين في شعر أبي الطيب المتنبي.
فيكون عنوان رسالتي هو المتنبي بين ناقديه في القديم والحديث.
ماذا أكتب في بداية المقدمة؟
هذه إشكالية.¬(موضوع هذا البحث هو استعراض آراء النقّاد القدماء والمحدَثين في شعر أبي الطيب المتنبي) ثم أذكر مشكلة البحث (وهو يبحث في إشكالية قديمة حديثة: إلى أي مدى اتفق النقّاد المحدَثون مع النقّاد القدماء في قراءة شعر المتنبي
إشكالية).¬إلى أي مدى استطاع النقّاد القدماء سَبر أغوار شعر أبي طيب المتنبي
وهكذا أفترض إشكاليات أريد أن أعالجها ضمن هذا البحث.
الإشكالية هي أسئلة جَدَلية تحتاج من الباحث إلى جهد كبير حتى يجيب عنها، وليست أسئلة: (مَن نَقَدَ المتنبي؟) فهذا ليس سؤالاً يُطرح في الإشكالية.
هناك أسئلة تحتاج مني إلى جهدٍ كبير من أجل أن أجد الإجابة عنها، وتكون الرسالة كاملةً هي إجابات عن هذه الإشكاليات التي تَرد في المقدمة.
كل عنصر يغيب من هذه العناصر في المقدمة، يعني أنّ الباحث قد أهمله في أثناء الدراسة.
كما يجب أن يبتعد الباحث ابتعاداً كاملاً عن كل كلامٍ إنشائي في المقدمة.
ما المقصود بالكلام الإنشائي؟
الأدعية – الإعجاب والانبهار ببعض الباحثين – المدح الزائد بأحد المصادر.... الخ.
مثلاً: أتوجّه بالشكر إلى من طبع هذه الرسالة، فقد أعطاني من جهده ووقته الشيء الكثير كما أتوجه بالشكر إلى أمي التي كانت ساهرة قرب غرفتي في البيت تقدّم لي الشاي وكذا وكذا.... كما أشكر زوجتي، وأشكر أختي، وابنة عمي، وابنة جيراني التي كانت تلوّح لي.... الخ.
هذا كلام لا معنى له في الرسائل الجامعية، وبعض الطلاب يفعل ذلك في الماجستير وفي الدكتوراه.
فالكلام العاطفي والكلام الإنشائي يُضعف البحث، وهذا البحث هو بحث أكاديمي، وهو إضافة للمعرفة الإنسانية، فإذا كان كذلك فينبغي أن يكون خالصاً لذلك، وألا يشوبه شيء من العواطف والانفعالات السريعة التي سرعان ما تزول.
ويجب أن تخلو المقدمة من إهداء، فإذا ورد فيها الإهداء فهي ناقصة أو يشوبها خطأ:
يقول مثلاً: أهدي هذا البحث إلى زوجتي وأولادي العشرين.
لا إهداء في الرسائل الجامعية كلها، عندما أولّف رسالة أكاديمية تُقدَّم إلى هيئةٍ علمية من أجل أن تحكِّمها يكون الإهداء فيها مرفوض، أما الكتاب الذي أطبعه في السوق فهذا له شأنٌ آخر.
يُضاف إلى الرسالة أيضاً تَعَهّدٌ من الباحث بأنه لم يسر (يٌقسِم فيه أنّه لم يسرق)، وما أكثر السارقين اليوم ليس من الطلاب بل من الأساتذة، فبعض الأساتذة لا يتورّع عن أن يذهب إلى الإنترنت ويبحث في موضوعٍ ما، يظنّ أنّ أحداً لن يكشفه فينسخ هذا الذي سرقه ويغيّر فيه تغييرات طفيفة ثم يضع عليه عناوين ويقدّمه على أنه جهدٌ خالصٌ منه وهذا الجهد هو جهد مشوّه، يضيف كائناً مزيّفاً للمعرفة سرعان ما ينكشف ويُرمى في المزابل ولا يُنظر إليه باحترام على الإطلاق.
كيف يُكشف؟
هو جهد الآخرين، وما أسهل كشفه.
بدء الرسالة والمقدّمات بالتحميد لا بأسَ به، لكن على أن لا يطول.
مثلاً: أبدأ رسالتي هذه حامداً الله تعالى الذي وفّقني... ألخ
ثمّ أصلي وأسلّم وأبارك على سيدنا محمد النبي الأمي خاتم الأنبياء وإمام المرسلين... الخ.
فالرسالة ليست خطبة جمعة، لك أن تحمد الله وأن تصلي على رسول الله كما تشاء، ومن لم يشأ ذلك فهذا شأنه، لكن أن يطول ذلك: نصف صفحة أو صفحة، فهذا شيء ليس مطلوباً في الرسالة الجامعية.
ما أجمل أن آخذ من فلان وأن أنسب إليه: أقول مثلاً (قد استفدتُ في هذا البحث من ما كتبه الباحث الأستاذ فلان الفلاني...) فهذه أمانة علمية مطلوبة في الرسائل الجامعية.
تقويم المصدر:
ما المقصود بتقويم المصدر؟
أنني لا أنقل، أولا أستقي، أو لا أجمع مادة علمية من أي كتاب يُعرَض أمامي، لا بُدّ لي من معايير أستند إليها في تقويم المصدر الذي أعود إليه في رسالة الماجستير والدكتوراه أو حتى في الكتب التي أولّفها من أجل الجمهور.
فإذاً عندي مصدر (كتاب)، ينبغي أن أعرف كيف أقوّم هذا المصدر؟
كيف نقوِّم المصدر؟
لا بُدّ من ملاحظة ما يلي:
1- المؤلف: مَن هو.
2- دار النشر: من هي؟
3- التوثيق لهذا المصدر.
4- ملامح إتقان التأليف.
5- إذا كان الكتاب محقّقاً: معرفة المحقِّق.
مثلاً: (الشعر والشعراء، لابن قتيبة "عبد الله بن مسلم الدِّيْنَوَرِي ت 276 هـ"
تحقيق: مفيد قميحة.
دار الكتب العلمية بيروت 1989 ط1) ×
هل أعود إلى هذا الكتاب؟
لا، على الإطلاق، لا أعود إليه ولا أنقل منه شيئاً، فإذا نقلتُ فإنني استفزّ المناقشين الذين سيناقشونني في الرسالة، لِمَ؟
لأن مفيد قميحة سارق محتال وربما ليس له وجود في الحقيقة، وإذا كان كذلك فإنني لا آمنه على أن يكون قد حرّف وصحّف وهو يَعْرِضُ لي كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة.
أما كتاب: (الشعر والشعراء لابن قتيبة
تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون
þدار المدني – جدة).
هذا الكتاب أعود إليه، لِمَ؟
لأن أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون: اشتهروا بين الباحثين بأنهما محققان بارعان جيّدان متقنان لعملهما.
(ديوان امرئ القيس: دار كرمَ للطباعة – دمشق.... ) ×
لا أعود إليه على الإطلاق ولا يعنيني.
þ(ديوان امرئ القيس: جمع وتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم)
هذا محقق جيد.
إذاً لا بُدّ لي في تقويم المصدر من أن أعرف أسماء المحققين الجيدين وأسماء المؤلفين الجيدين أيضاً، فهناك أسماء لامعة متقنة لعملها أثق بها، وهناك أسماء سرعان ما ينكشف تزييفها وأعرف أنه عليّ ألا أثق بها على الإطلاق، وأن أنظر بعين السخط على عملها وعلى إنتاجها، وفي كل حقلٍ علمي من الحقول المتصلة باللغة والأدب هناك أعلام:
ففي النحو مثلاً هناك أعلام مشهورون، وهؤلاء ما يذكرونه في مصادر كتبهم طريق جيدة لكي أكتشف المصادر التي ينبغي أن أعود إليها في الرسالة.
فأعود مثلاً إلى كتاب نحوَ وعيٍّ لغويٍّ لـ د. مازن المبارك.
والدكتور مازن المبارك: مشهور بإتقانه / بعلمه / بأنه دقيق في اختيار مصادره، هو مؤلّف جيّد والمصادر التي يذكرها في نهاية بحثه مصادر في الغالب هي مصادر جيدة.
6- يُضاف إلى ذلك حديث العلماء عن هذا الكتاب:
فمثلاً: كتاب من الكتب أعرف كيف أقوّمه، أسأل المختصين في هذا الحقل المعرفي ممن له الثقة والعدالة وأنه ثَبت في هذه الأمور: أسألُه فيعطيني الجواب.
موهبة الباحث
الباحث الموهوب:
نعرف أن الباحث موهوب من:
أولا:اختيار الموضوع المبتكر:
الباحث المبدع لا يخشى الموضوع الخطير، المهم، ولا يهمُّه طول فترة البحث، واختيار الموضوع المبتكر ينبئ أنَ الباحث موهوب إذَ لا يلتفتُ إلى الجهدِ والوقت الذي سينفقهُ من أجل إنجاز الموضوع.
والباحث المبدع الموهوب لا يختارُ موضوعاً مكرراً قُتِلَ بحثاً والإضافات فيه محدودةٌ جداً.
ثانياً: ابتكار خطّة جيّدة للموضوع:
كلّ موضوع يفرضُ خطة بحث خاصة لهُ. تأخذ مثالاً موضوع [الصورة الفنيَة في شعر الأعشى؟ تتضمّن خطّة هذا الموضوع:
مضمون الصورة
شكل الصورة
عناصر الصورة
إنّ الباحث الموهوب المبدع يبتكر لبحثه خطةً محكمة، وتأتي الخطة المحكمة الجيدة بعد أنّ يكون الباحث قد
1- وضع أهدافاً صحيحة للبحث
2- وضع شكلية البحث بشكل دقيق.
3- عرف مسوَّغات البحث (أسباب اختيار موضوعه)
وأسباب البحث تختلفُ عن أهدافه فمن أسباب البحث: (غرابة الصورة –صعوبة البحث...) ومِن الأهداف (توضيح الصورة –بيانُ مدى أثر البيئة...) ويجب أنْ يكونَ قابلاً للقياس- وهذا يتحققُ في موضوع الصورة الفنية في شعر الأعشى فيمكن أنْ نبرهِنَ بشواهد كثيرة من شعر الأعشى.
أمّا لو أخذنا موضوعَ (تحديد جمال الشعر العربي) فهذا موضوع غير قابل للقياس.
4- حينَ يضعُ منهجاً علمياً صارماً.
5- إذا وضع خطة شاملة ودقيقة تتناول كلّ ما يتّصل بالموضوع.
ثالثاً: استقلال شخصية الباحث:
بعضُ الطّلاب يكونون نُسخاً لأساتذتهم أو مشرفيهم، وهذا أمرٌ غيرُ جيَّد على الإطلاق، فالباحث الموهوب يتمتّع بشخصية مستقلة، يبدعُ في الأفكار، ويناقش الآراء، يقبلُ منها ما يقبله العقل الحرّ.
لأنّ التقليد الأعمى يجعلُ مِنَ الباحثِ شخصاً غيرَ موثوقٍ بهِ ولا قيمةَ لإنتاجه العلمي في البحثِ الذي ينجِزُه ولا في الأبحاث التي سينتجها في مستقبل حياته العلميّة.
رابعاً: أن يتمتّعَ الباحثْ بالإرادية القويّة:
ويقصدُ بها أنْ يكونَ عندَه جلدٌ ومصابرة –لا يستسلمُ بسهولة للنتائج السريعة التي وصل إليها-.
بعضُ الباحثين تضيقُ بهم الدنيا إذا وجدوا أنّ بحثهم يحتاج إلى إرادة قويّة وصبر كبير من أجل إنجازه،وأمثالُ هؤلاء الباحثين يوصفون بأنهم غير مبدعين ولا موهوبين لأنّ البحثَ يحتاج إلى إرادة قويّة يتجلى فيه استعراض كلّ ما قيلَ في المسألة التي يبحثها الباحث وتحليله والوصول إلى النتائج منهُ.
خامساً: عدم التسليم بسهولة لآراء من سبقهُ:
فلا يُسلَّم الباحث للعلماء القدماء والمحدثين، وعليه أنْ يثبت صوابهم وخطأهم –[هذا أمر بحثي أمّا استقلال شخصيّة الباحث فهي أمر شخصي].
سادساً: لا يكتفي الموهوب بظاهر المعنى في المادة العلمية التي يدرسها
بل عليه الوصول إلى طرائف متحيّرَة في تحليل المادّة واستنطاقها لمعرفةِ خفاياها بشكلها ومضمونها.
سابعاً: الباحث الموهوب في كلّ لحظة من لحظات بحثه مسيطرٌ على الموضوع
غير مشتّت، فهو الذي يقود هذا الموضوع وليس الموضوع هو الذي يقوده. فعليهِ تصنيف المادّة العلميّة لموضوع بحثه على بطاقات... وقد تكون لديه بطاقة تخدم مبحثين... ، ويتأمّل المعايير المناسبة للموضوع.
ثامناً: أن يتحلى الباحث بالموضوعية:
وهي أن يكون البحث تبعاً للحقيقة وليس إلى شيء آخر.
تاسعاً: أن يتحلى بالدّقّة:
لا يتجاوز بعض الحقائق تجاوزاً.
الباحث والمشرف
هناك أسس تحكم العلاقة بينَ الطالبِ ومشرفه:
على الطالب أنْ يتمتَع بالأدبِ مع مشرفه وأنْ يتْسمَ بسمات الباحث الموهوب وعلى المشرف أن يسمح للطالب بالعودة إلى غيرهِ مِنْ الأساتذة وسؤالِهم،
والمشرف ينحصرُ عملُه في:
1) الاطمئنان على أنّ المنهج الذي يتبعه الطالب منهجٌ سليم.
2) أنْ يناقش الطالب في معاييره التي يرتكز عليها في التحليل.
3) يدفع الطالب إلى مزيد مِنَ الجهد ويحفّزُه دائماً.
4) لا يتحمّل المشرف مسؤولية صحّة المعلومات أو عدمها إذ هذه مهمّة الطالب الذي يُجاز.
5) لا يتحمَل المشرف مسؤولية دقّة الطالب في النقل من المصادر الأخرى إنّما تكمنُ مسؤوليته في رسم منهج البحث والخطّة، أمّا المعلومات الجزئية مِنَ الرسالة فهي مسؤولية الطالب.
6) على الباحث أنْ يتجنّب ذكر اسم مشرِفِهِ في البحث إلا عند الضرورة القصوى.
موضوع المحاضرة القادمة [قواعدُ الكتابة في الرِّسالة الجامعيّة]
يقع الباحث أحياناً في أخطاء:
فيؤلف تأليفاً ركيكاً فتسمى أخطاء منها: الحشو, ومنها التكرار، يكرر الكلمات في أثناء كتابته, وهذا مما يؤذي أسلوبه ويضعفه أمام المناقشين وأمام نفسه وأمام مشرفه, إذاً نكتب:
1- على الباحث أن يتقيد بالنظام اللغوي وأن تكون كتابته خالية من أخطاء النحو، والإملاء، والصرف.. وأن يتميز أسلوبه بالسهولة والبعد عن كل ما يعقد العبارة في نظر القارئ أو عند القارئ.
* قد يستخدم الباحث:
- التصوير.
- الإعجاز.
- الاستعارة.
- التشبيه.
ولا بأس في ذلك على أن لا يكثر في الرسالة، يستخدم كل ذلك، لكن بقدر فإذا زادت عن حدها تحولت الرسالة من كلام علمي أكاديمي إلى كلام أدبي خيالي مصور وهذا شيء لا تتطلبه عادة الرسائل الجامعية.
2- على الباحث أن يتقيد بالأسلوب العربي من حيث عدم التكرار في المعاني والأفكار كيف يكون ذلك؟
يأتي مثلاً بشاهد، يشرح الشاهد ثم يأتي بفكرة، تشرح فكرة، وما هو شرح الشاهد ثم يقرر بعد ذلك الفكرة الإجمالية من كل هذه الأمور وهو بذلك ماذا يصنع؟ يقتل القارئ كأنه ينحره نحراً، يقول له أنت غبي، لا تفهم، وأنا أعيد لك الأمر مرة بعد مرة، أشرح لك الفكرة ثم أعيدها عليك مرة واثنتين وثلاث مرات وأربع مرات وهكذا حتى يقتله قتلاً.
3- عليه أن يتحاشى الفواصل الطويلة:
ما معنى الفواصل الطويلة؟
يعني جملة لا تنتهي، يبدأ بها من السطر الأولي، ويمضي بها إلى الثاني ثم الثالث ثم الرابع والقارئ، يتنفس ويتنفس ويلهث وراء الأفكار حتى ينتهي من هذه الجملة ثم لا ينتهي بعد ذلك.
4- وعليه أن لا يأتي ببراهين على قضايا مسلّم بها:
كيف يعني، يأتي ببراهين على قضايا مسلّم بها؟
يعني من القضايا المسلّم بها أن إسرائيل عندما احتلت فلسطين فإنما احتلتها لتغتصبها إلى الأبد وهذا نقرّبه، لكن لا زلنا منذ عام 1948م إلى يوم الناس هذا نسمع بالأخبار، وهذا الموقف من رئيس الوزراء الإسرائيلي دليل على أن إسرائيل لا تريد السلام، وهذا الموقف من وزير الدفاع الإسرائيلي، يدل دلالة قاطعة على أن إسرائيل لها نوايا عدوانية، إلى الآن ما زلنا نسمع في نشرات الأخبار، هذه تسمى براهين على قضايا مسلّم بها وهذا من تسخيف عقل القارئ أو المشاهد أو الجمهور كذلك في اللغة والأدب.
كلنا يعرف مثلاً: أن امرأ القيس قد ارتحل مع صاحبه عمرو بن قميئة إلى قيصر الروم وهناك قصائد لامرئ القيس في هذا.
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقــــــــــــــن أنا لاحـــــــقان بقيصرا
ثم يأتينا الطالب الباحث وكأنه أتى بشيء جديد ويقول:
هذا البيت يدل دلالة قاطعة على أن امرأ القيس قد ارتحل مع صاحبه إلى قيصر الروم.
هذا من تسخيف عقل القارئ والأمر هنا بسيط لكن أحياناً قد تغيب عن الباحث الحقائق أن الجمهور أو القارئ عنده حد أدنى من الثقافة فيأتي ببرهنة على أمر مسلّم به.
5- على الباحث أن يبتعد عن المبالغات سواء في المدح أم في الذم:
عليه أن يبتعد عن المبالغات.
ما معنى المبالغات؟
الباحث مطالب أحياناً أن يأخذ موقفاً لكنه ينسى أنه باحث أكاديمي فتأخذه الحمية أحياناً فيسب ويشتم ويبالغ في القدح.
وأحياناً تأخذه الرأفة والمحبة، فيبالغ في المدح وهذا مرفوض وذاك مرفوض. ففي الرسائل عادة تخلو من المدح أو الذم إلا بالقدر القليل القليل جداً.
6- على الباحث أن يبتعد عن أسلوب السخرية والتهكم، لأن الرسائل الجامعية يجب أن تتصف بالرصانة.
7- عليه أن يبتعد عن الجدل الذي لا طائل فيه.
هناك قضايا جدلية مهما قلنا فيه ستبقى هذه القضايا على حالها.
وأحياناً الباحث يجادل في قضايا هي من هذا النمط مثل:
هل اللغة توقيف أم اصطلاح؟
قضية جدلية وهناك ما يسند هذا وهناك ما يسند هذا.
إذا كان هذا بحث الطالب فلا بأس أن يخوض في هذا الأمر بتفاصيل وجدليات...الخ.
لكن أن تمر مثل هذه القضية عنده عرضاً أثناء البحث ثم هو يصرف عليها الصفحات الكثيرة ولا ينتهي بعد ذلك إلى شيء، نقول عنه أنه قد نقل الرسالة بما يعيبه.
8- على الباحث أن يبتعد عن كل ما يفتح باباً للخلاف غير الممنهج أو المخدم علمياً.
ما معنى هذا الكلام؟
مثلاً: هناك ثوابت عند الناس ترسخ في أذهان الناس أشياء سواء ما يتعلق بالتاريخ السياسي للأمة، مثلاً: هو يريد أن يفتح باباً للخلاف ولا يمتلك من الأدلة ما يكفي.
يريد أن يقول مثلاً:
إن بغداد لم تُهاجم سنة 656هـ من المغول، وإن المغول لم يدخلوا بغداد في هذه السنة ولم يحرقوا ولم يغرقوا الكتب في نهر دجلة.
ويأتي الباحث ويريد أن يناقش هذه القضية وليس معه من الأدلة ما يكفي لكي يقنع القارئ فهذا من فتح باب الخلاف.
الآن عندنا عنوان جديد هو:
قواعد كتابة الفقرة
ماذا أكتب في الفقرة؟
الفقرة: أكتب الفكرة الرئيسية ثم أشرح قليلاً عنها.
انظر قسمنا الرسالة قسما فأكثر.
- باب، بابان فأكثر.
- فصل، فصلان فأكثر.
ثم هذا الفصل له مباحث، مبحثان فأكثر.
الآن المبحث مم يتألف؟
من فقرة أو فقرات.
فقرة أولى، ثانية، ثالثة، وربما عشرة أو عشرين فقرة، ما شاء أن يضع في هذا المبحث.
لابد أن يكون مبنياً بناءاً منطقياً هذا البناء المنطقي يقول:
إنني إذا كان عندي مجموعة حجج أريد أن أعرضها فإنني أعرض الأضعف أولاً إلى أن أصل إلى الأقوى.
فإنني أتدرج مع عقل القارئ، فأثبت القضايا التي أريد أن أثبتها في ذهنه إثباتاً قوياً، فأنتقل من الأضعف إلى الأقوى من حيث ترتيب قوة الحجة والبرهان. عندي شواهد جمعتها من الكتب:
- من كتاب البيان والتبيين قولاً.
- من كتاب الأغاني خبراً.
- من كتاب الصناعتين أخذت قولاً.... الخ
إذاً عندي مجموعة من الشواهد، هذه الشواهد أقرؤها قراءة فهم ثم أعرضها إلى معايير التحليل، فأنا أعلل هذه الشواهد والمواد التي جمعتها، أحللها تحليلاً ما، هذا التحليل يتزن ويتفق مع المنهج التحليلي الذي أخذته، ربما أخذته كما ذكرت لكم:
- البنيوية.
- تفكيكية أي شيء.
- الطريقة القديمة التقليدية...الخ.
فعندما آتي إلى هذا أرتب مع هذه الشواهد بالنظر إلى الأقوى والأضعف ثم أرتبها على المبحث، فأقول: أنا في الفقرة الأولى سأناقش الشاهد الأول، وقد أقول إنني أناقش الشاهد الأول، سأقدم تقديماً نظرياً لهذا المبحث.
ثم أقول إنني سأناقش الشاهد الأول، الشاهد الثاني، الشاهد الثالث، ثم سأختم المبحث بخاتمة قصيرة، سنلخص ما ورد فيه ونمهد للمبحث الثاني وهكذا..
ملخص القول:
عندنا مجموعة من المواد، من المادة العلمية التي جمعتها من الكتب، وهذه المادة العلمية فيها مجموعة من الشواهد، وهذه الشواهد ستكون مادة لي من أجل أن أعرض على القارئ أفكاري فيما يخص هذا المبحث.
وهذه الأفكار التي سأعرضها ستستند إلى هذه الشواهد وستكون أدلة على ما سأذهب إليه من نتائج.
كيف أرتب هذه الأدلة؟
ينبغي أن أتدرج مع القارئ، فلا أعطيه الحجة القوية مباشرة لماذا؟ لأنه إذا استطاع أن ينفيها فإن ما بعدها من حجج ستزيده شكاً منه.
أقول: فأنا أرتبها من الأضعف إلى الأقوى، فالأقوى، ... الخ.
وأرتب نظرياً ماذا سأكتب في هذا المبحث.
فأقول: إن هذا المبحث يمكن أن يكون في عشر فقرات في كل فقرة هناك شاهد ما، يعني، هذا أبسط عنصر في الرسالة الفقرة وهي أبسط عنصر.
فيها شاهد واحد، فيها مناقشة لهذا الشاهد.
هذا الشاهد ومناقشته جزء لا يتجزأ من طريق الحجج التي أرتبها ترتيباً ما حتى أصل إلى خاتمة المبحث هذا هو الإقناع الأول.
ثم يأتي المبحث الثاني فيؤدي إلى الإقناع الثاني.
وأنا أعرض فصول نظريتي ورؤيتي لهذا المبحث.
* شروط كتابة الفقرة:
تعد الفقرة من العناصر الأولية في الرسائل الجامعية.
لأن مجموع فقرات تشكل مبحثاً.
والمبحث يعد مكوناً أساسياً من مكونات الفصل، لذلك عندما يكتب الباحث فقرات مبحثه عليه أن يراعي فيها أمرين:
1- أن تعرض الفقرة عنصراً واحداً أو شاهداً واحداً من الشواهد الأساسية في تكوين نظرة القارئ من خلال المبحث الذي تنتمي إليه هذه الفقرة.
2- أن يرتب الحجج في المبحث الواحد على فقرات ويتدرج من الأدنى قوّة إلى الأقوى.
يفضل أن تكون الجمل في الفقرة معتدلة الطول.
الاقتباس في الرسائل الجامعية
الباحث وهو يكتب فقرته ماذا سيفعل؟
لابد أنه يستشهد بأقوال الآخرين:
- بالنصوص الأدبية.
- بالأخبار ... الخ.
فكيف هو الحال؟
وما النظام لذلك؟
هو سيستشهد بأقوال الآخرين.
هناك قواعد للاقتباس
أهم هذه القواعد:
1- أن لا يطول، فإذا طال الاقتباس أضعف ذلك من شخصية الطالب.
يقولون له: لماذا أتيت كل رسالتك، فيها نقل في نقل، تنقل صفحة وتقول وهذا كما قال الجاحظ، وفي صفحة أخرى وهذا كما قال فلان وينقل صفحة وبذلك هو يضعف من شخصيته.
إذاً الأمر الأول:
أن لا يطول الاقتباس، حجم المادة المقتبسة إلا في حال الضرورة أحياناً قد يضطر إلى أن ينقل نصاً طويلاً ولكنه في هذه الحالة ينبه على ذلك ويقول:
وقد نقلت النص بطوله لأهميته ولأنه ناظمٌ لعملي في هذا المبحث.
2- أن يتفق النقل مع ما قبله وما بعده:
في كلام الباحث فجأة يصادفني قول لا أدري لمَ جاء به والصفحة في وجهي وهو يتحدث في شيء جاء النص ليقول شيئاً آخر.
ينبغي أن يكون هناك تعاضد في النص الذي يأتي به والجزء المكمل للفكرة التي يريد أن يذكرها الباحث.
3- الدقة في النقل:
هي من أهم ما ينبغي أن يستخدمها للاقتباس في الرسائل الجامعية، فبعض المصادر فيها تصحيف وتحريف وهذه حالها.
وبعض الباحثين يزيد هذا التصحيف والتحريف سوءاً بطريقة بشعة.
مثلاً:
- ينسى مفرداً في أثناء سياق الخبر الذي ينقله.
- يغير في بيت الشعر حرفاً.
- يضع شدة على حرف غير مضعف.
يفعل أشياء من هذا القبيل فيأخذ ما ينقله إساءة للرسالة وليس تقوية ودعماً لها وإنما ضعفاً لها.
ويقع في الخطأ إذاً لابد مما جاء من الدقة في النقل.
وعليه وهو ينقل البطاقات أن يراجع ما نقله عن الأصل الذي نقل منه، أن يعتمد الطبعات مثلاً:
(الشعر والشعراء)
هناك طبعات متعددة أهمها:
- طبعة أحمد محمد شاكر:
الموازنة بين أبي تمام والبحتري بين الطائيتين.
مثلاً: هناك طبعتان:
طبعة أولى:
لـ: محمد محي الدين عبد الحميد.
- طبعة ثانية: أحسن تحقيقاً:
لـ سيد أحمد صقر.
مثلاً: وهو يرجع إلى الطبعة المحققة تحقيقاً جيداً وهكذا في كل طبعات الكتب التي ينقل منها.
فهو ماهر لا يذهب إلى السوق ويختار أردأ أنواع القماش ليصنع منها ثوباً جميلاً، براقاً، يأخذ الألباب.
بل هو يختار الأفضل لأن ما سيصنع سيكون جزءاً من هويته واسمه في أعين الناس.
4- تنوع المصادر والمراجع:
ما معنى تنوع المصادر والمراجع؟
يعني، ذهب ليناقش الشاعر أبا تمام، الصنعة عند أبي تمام.
ذهب إلى المكتبة (مكتبة الأسد الوطنية) فذهب وفتح:
من الذي تحدث عن أبي تمام مثلاً:
عبد الله محارب
أو كتاب آخر ربما، مثلاً (كتاب الموازنة)
ماذا صنع؟
جعل هذه الكتب أمامه على المنضدة ونفتح إلى هوامشه فلا نرى إلا اسم هذا الكتاب، أو هذا الكتاب، أو الكتاب الثالث، نقلب الصفحات، ألم يرجع إلى كتب أخرى، إلى مصادر أخرى على الباحث أن ينوع في مصادره وبقدر تنويعه للمصادر يعطي انطباعاً للقارئ بأنه محيط بكل ما كتب وما هو ضروري لكتابة موضوع متميز عن البحث الذي اختاره.
إذاً لابد من تنوع المصادر والمراجع.
ينبغي أن تكون متنوعة تنوعاً واسعاً.
أصول كتابة الحواشي
أصول كتابة الحواشي في الرسائل الجامعية:
ينبغي أن نتقنها من حيث أمرين:
1- المكان.
2- المضمون.
أ) أما المكان:
فهناك ثلاث طرائق لوضعها:
الطريقة الأولى:
في أسفل كل صفحة، وهذه الطريقة هي الأشهر والأسهل للقارئ وهي الطريقة الأصلية، العرب كانوا يصنعون هذا، فهي سهلة، يعني يأتيني شيء أريد أن أتوثق منه مباشرة أنظر إلى أسفل الصفحة، يكون الكاتب أو الباحث قد وضع لي رقم (1) في كل حاشية أنظر على الرقم (1) ويشرح مادته...الخ.
الطريقة الثانية:
في نهاية كل فصل، الرسالة مثلاً خمسة فصول.
الفصل الأول: نأخذ أي حاشية في صفحاته.
لكن عندما ينتهي الفصل أقلبها، مكتوب عندي عنوان:
(حواشي الفصل) أو (هوامش الفصل الأول)
(130) مثلاً إلى نهاية الفصل...الخ¬وتكون مرقمة من (1)
وهذه الطريقة لم تكن عربية إنما هي مستوردة.
وعلة أصحاب هذه الطريقة هي أنهم يقولون لا نريد للقارئ أن ينشغل بالهوامش والتوثيق...الخ.
وهذا الكلام مردود.
لأن الباحث أو القارئ الجاد هو يريد المعلومة ويريد توثيق المعلومة حتى ينصرف إلى الأفكار أكثر من انصرافه إلى التوثيق.
فيقول:
سأعود إذاً إلى نهاية الفصل لأرى إن كان هذا الكلام صحيحاً أو غير صحيح أو فيه تصحيف أو تحريف، أو من الذي قال هذا الكلام وهو لا يعرف.
الطريقة الثالثة:
في نهاية الرسالة.
الفصل الأول ينتهي لا حواشي، هناك أرقام
الفصل الثاني ينتهي لا حواشي، هناك أرقام
الفصل الثالث... وهكذا حتى نهاية الرسالة ثم نقول:
هوامش الفصل الأول.
هوامش الفصل الثاني.... وهكذا.
(140) للفصل الثاني وهكذا كل فصل أرقامه على حدة مستقل عن أرقام بقية.¬ (130) للفصل الأول من (1) ¬فتكون مرقمة مثلاً من (1)
أنه وجد رقم (130) فلا يدري أن هذه هي في الفصل الأول أو أنها في الفصل الثاني لا يدري إلا إذا كان يقرأ الكتاب بالتفصيل وهو يعلم أنه في الفصل الثاني أو في الفصل الثالث... وهكذا.
وهذه من أردأ الطرق:
لماذا؟
لأنها تصرف من وقت القارئ الكثير.
ب- أما المضمون، فماذا في مضمون الحواشي؟
لماذا أضع حاشية وأنا ألف بحثاً؟
نكتب الحواشي عادة لأمور منها:
1- التوثيق يأتي على رأس الأسباب التي تُكتب لأجلها الحواشي.
2- شرح الغامض حتى لا يُشغل بال القارئ؛ ربما يوجد قارئ يعرف المعنى وقارئ لا يعرف فلا أشغل بال القارئ؛ بأن أشرح له الغامض في متن الرسالة وإنما أشرح في الحاشية أو (الهامش).
3- الترجمة (ترجمة الأعلام والأماكن)
والترجمة: التعريف بالشخصيات، تعريف بالمكان، تعريف بالمدنية.
4- التخريج: ما المقصود بالتخريج؟
عندنا التوثيق وعندنا التخريج.
التوثيق هو ذكر المصدر الذي أنقل منه (اسم المصدر والصفحة).
التخريج: هو عمل بحثي مهم في بعض الأبحاث مثل تخريج الأخبار والأحاديث والأشعار والذي يعيننا هنا هو الأحاديث كيف نخرج حديثاً؟
وما المقصود بالحديث؟
- هو الحديث النبوي: وهو قول أو فعل أو إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم كيف أخرّج حديثاً.
ذكر السند والمتن والكتاب...الخ
هناك عندي حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء متن الرسالة الجامعية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
المطلوب مني هنا أن أخرج هذا الكلام، كيف أخرجه؟
أرجع إلى كتب الحديث، أذهب إلى كتاب صحيح البخاري وأبحث فيه، لا أجد الحديث مثلاً أضع الكتاب، أذهب إلى صحيح مسلم أبحث فيه لا أجد الحديث، أضع الكتاب ثم أذهب إلى سند الترمذي ولا أجد الحديث...
هذه طريقة طويلة جداً، هناك فن يُسمى فن تخريج الأحاديث يقوم على ما يلي:
كتب الحديث مقسمة أقساماً منها كتب الصحيح، الكتب الثمانية أو التسعة، البخاري، مسلم، ويلحق بها كتب السند: أبو داود والترمذي والنّسائي وابن ماجه، عندنا أيضاً المسانيد منها: مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبو يعلى، مسند البزار،..
حتى لا يبحث الباحث في كل هذه الكتب هناك كتب تسمى كتب التخريج وهذه الكتب هي:
1- جامع الأصول عن أحاديث الرسول: لابن الأثير، ماذا في هذا الكتاب؟ فيه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والموطّأ، كل الأحاديث الموجودة في هذه الكتب مرتبة ترتيباً موضوعياً يعني على الموضوع (أو ما يسمونه الترتيب على أبواب الفقه).
في جامع الأصول لابن الأثير ليس فقط جمع الأحاديث بل معه فهرس في مجلدين، الأحاديث مرتبة فيه حسب بداية الحديث ترتيب ألف بائي فإذا بحثت عن الحديث ولم أجده في هذا الكتاب أذهب إلى كتاب آخر هو:
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لابن حجر الهيثمي: كل ما زاد على هذا من المسانيد هو موجود في مجمع الزوائد فإذا لم أجد الحديث فيه وهو مفهرس فهرسة ألف بائية أذهب إلى كتاب آخر.
3- كتاب (كنز العمال) للهندي.
هناك كتاب آخر:
4- اسمه المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي للمستشرق الألماني (فنسنج).
هذا الكتاب أخذ الأحاديث على اللفظة في الكتب التسعة التي هي: البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد والموطأ للإمام مالك بن أنس.
- علم الحديث قد أراح الإنسان في كثير من الأمور فهناك كتاب جديد ومكثف اسمه (الحاسوب) فيه ما فيه من مكتبات الحديث أهمها المكتبة الألفية ومنها ألف كتاب من الحديث النبوي.
وما عليك سوى أن تضع أول كلمة من الحديث فيأتيك بالحديث وموضع وروده من هذه الكتب.
المكتبة الشاملة فيها 18000 كتاب.
لكن إذا كنتُ سأرجع في التخريج إلى هذه الكتب ينبغي أن أتنبه إلى أمرين:
الأول: أن أرقام الصفحات التي يرشدني إليها البرنامج هي أرقام صفحات الكترونية على الحاسب وهي ليست الصفحات الحقيقة للطبعات المعتمدة أي غير مطابقة لصفحات الكتاب المطبوع.
الثاني: هو أن هذه الكتب على الحاسب تعج أو مليئة بالتصحيف والتحريف فلا يغنيني على الإطلاق أن أعرف أن هذا الحديث ورد هنا في البخاري فنقول له كما ورد في الحاسوب.
إذاً ينبغي أن أعود إلى الكتب المطبوعة ولها شهرة مثل كتب بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي مثل الترمذي بتحقيق أحمد محمد شاكر وهكذا...
انتهت المحاضرة,
المحاضرة: السابعة
الاثنين: 19/4/2010م
كنا نتحدث في المرة الماضية عن كتب تخريج الحديث النبوي الشريف، وذكرت لكم أن الباحث يخرج في الطريقة الآلية:
الخطوات:
أن يبدأ بالكتب الصحيحة أو الستة.
ثم الكتب التسعة.
ثم زوائد الكتب التسعة.
ثم زوائد الزوائد حتى يصل إلى الحديث.
ثم ذكرت لكم أن هناك طريقة الكترونية في تخريج الحديث النبوي الشريف: وهي بالعودة إلى المكتبات الالكترونية التي توافرت حديثاً.
منها:
1- المكتبة الألفية.
2- المكتبة الشاملة. وغيرهما.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المادة هي : منهج البحث والتحقيق : أنا الدكتور أحمد نتوف أدرسكم منهج البحث والدكتور علي أبو زيد يدرسكم قسم التحقيق والمخطوطات .
المادة هي : منهج البحث والتحقيق : أنا الدكتور أحمد نتوف أدرسكم منهج البحث والدكتور علي أبو زيد يدرسكم قسم التحقيق والمخطوطات .
هناك تعليقان (2):
السلام عليكم ورحمة الله
كل الشكر الجزيل للقائمين على هذه المدونة ولمن قام بنشر هذه المحاضرات أقول جزاكم الله خيرا فقد استفدت منها كما أن أسلوبها ممتع جدا..تمنياتي بدوام الإبداع والازدهار العلمي لأستاذ المحاضرات وناشرها وللجميع
خالص تقديري وتحياتي..
السلام عليكم ورحمة الله
كل الشكر الجزيل للقائمين على هذه المدونة ولمن قام بنشر هذه المحاضرات أقول جزاكم الله خيرا فقد استفدت منها كما أن أسلوبها ممتع جدا..تمنياتي بدوام الإبداع والازدهار العلمي لأستاذ المحاضرات وناشرها وللجميع
خالص تقديري وتحياتي..
إرسال تعليق